كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[معنى التطهير]

صفحة 18 - الجزء 4

  يفعلوا ما يوجب ذلك ويقال: زَكَّى الحاكم فلاناً أي حكم بتزكيته، وفَسَّقَ فلاناً أي حكم بأنه فاسق، وليس المراد بجميع ذلك خلق التطهير والتزكية والتفسيق فمن أنكر ذلك خالف ما عليه أهل اللسان اللغوي.

  وأما قوله [أي الفقيه]: وعندهم أن الله تعالى طهر أبا جهل وأهل بيته، كما طهر محمداً وأهل بيته، وسوى بينهم في ذلك.

  فالجواب [المنصور بالله]: أن هذه حكاية باطلة، فإن كانت حكاية عن المذهب فهي كذب، وإن كانت إلزاماً فهو باطل؛ لأن التطهير هو الحكم بأن فلاناً طاهر، كما أن التكفير هو الحكم بأن فلاناً كافر والتفسيق هو الحكم والتسمية بأنه فاسق؛ فكيف يقول بأنا نطهر الكافر، لولا قلة المبالاة بالمباهتة، وقد حكينا له البيت في إكفار من سمي بذلك وحكم عليه به، فلا جرم أنا نكفر أبا جهل؛ لأنا نحكم عليه بأنه كَفَرَ ونسميه بالكفر لأنه فاعله.

  وإنما الإلزام يتوجه على الفقيه إذا كان تعالى خالقاً للإيمان والكفر والطاعة والمعصية، فلا حكم على من لم يفعل طاعة بأنه مطيع أولى من أن يُحكَم عليه بأنه عاص، ولا حكم على من خُلِق فيه المعصية عندك بأنه عاص أولى من أن تحكم عليه بأنه مطيع، لأن كلاً من الفعلين اللَّذَين هما الطاعة والمعصية خلقه تعالى عندك، بل لا يوصف العبد بأنه مطيع ولا عاص إلا كما يوصف بأنه أسود وأبيض، ولا يتوجه عليه في جميع ذلك أمر ولا نهي، ولا مدح ولا ذم، كما نُلزمه إخوانك الجهمية، وقد بينا أن اعتلالك بالكسب يزيدك رهقاً إن لم تفسره بأن العبد محدث لتصرفه.

  وأما قوله [أي الفقيه]: إن أبا جهل عصى باختياره وأطاع محمد ÷ باختياره.

  فالجواب [المنصور بالله]: أنه أورد ذلك عنا على سبيل الإنكار له، فيتحقق ما حكيناه عنه من الجبر الصريح والمذهب الشنيع القبيح.