كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الدليل على ثواب المطيع وعقاب العاصي]

صفحة 50 - الجزء 4

  بالثاني جوّز أن لا يعاقب تعالى الكافرين، وجوز أن تتبدل المنازل فيدخل الكفار الجنة والمطيعين النار.

  ثم يقال له: ما الأمان أن يفعل تعالى خلاف ما أخبر أنه تعالى يفعله؛ لأن قصارى ذلك أنه إخلاف الوعد، ويكون الخبر كذباً وتبديلاً للقول منه، وعندك أنه تعالى لا يقبح منه شيء؛ إذ لا يتصور حد القبيح في حقه تعالى على ما ذكرت ذلك هاهنا وفي سائر رسالتك الخارقة.

  ثم يقال له: إذا كان دخول أهل الجنة فضلاً؛ فهل له تعالى أن يتفضل، وأن لا يتفضل؟

  فإن قال: نعم، جوز أن لا يدخل الله تعالى الملائكة والأنبياء والمؤمنين الجنة.

  وإن قال بالثاني⁣(⁣١) خالف المعقول من التفضل، وصير الثواب حقاً واجباً لأهل الجنة، وبطل وصفه بأنه تفضل.

  وأما قوله [أي: الفقيه]: قد بينا أنه لا استحقاق على الله تعالى لأحد من خلقه، ولا واجب عليه لهم.

  فالجواب [المنصور بالله]: أن هذا تصريح منه بأنه لا يجب لأحد ثواب، ولا يستحقه عليه سبحانه فأين يذهب بقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}⁣[الأنعام: ١٣٢]، وبقوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}⁣[النجم]، وبقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة]، وبقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ٨٤}⁣[الأنعام]، وبقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}⁣[البينة: ٨]؟ إلى غير ذلك.

  وهذا كالتنبيه لمن كان له عقل رشيد، على أن ما ذكر يهدم استدلاله بقوله: إنه


(١) المراد بالثاني: ما يقابل تجويز التفضل وعدمه وهو عدم التجويز، وبعبارة أوضح أن يكون التفضل لازماً؛ تمت إملاء شيخنا السيد العلامة أحمد بن درهم حورية حفظه الله تعالى.