كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[نقل الفقيه لكلام القرشي وذكر ما عابه على رسالته الأولى وجواب الفقيه عليه]

صفحة 310 - الجزء 4

  الهوى، وكذبت الله فيما أخبر عنه وعنهم، فهذا محض الكفر والزندقة.

  وأما ما هذى به من أن الوعد على القطع والبتات إغراء بفعل المعاصي وترك الواجبات، فجهل منه عظيم وغفلة قبيحة؛ لأن هذا لو كان على الإطلاق في آحاد الناس لكان على ما زعم، وإنما هذا فيمن علم الله ø ورسوله أول أمره وآخره، وحاله وعاقبته؛ فالخبر على ما علم.

  ثم إن هذا الذي يقوله، إنما هو رد على الله وعلى رسوله ما أخبرا به لا على خصمك فهما خصماك يوم القيامة، لتكذيبك لهما في أخبارهما⁣(⁣١)، وقذفك بالزور والبهتان من شهدا بحراسته وصيانته.

  وكذا ما ذكر من الوعيد، وأنه لو كان على استحقاقه للنار في كل حال لكان أبلغ صارف عن التوبة، هذا لو كان في سائر الناس كما يقول، ولم يرد ذلك في الشريعة، وأما في إنسان مخصوص قد ورد الوعيد واستحقاق النار على كل حال في أبي لهب، ولم يقدر بعد ذلك على الإيمان ولا على تكذيب القرآن، إبطالاً لمذهبك في أن القدرة تتعلق بالضدين⁣(⁣٢)، وقد ورد في السنة مثل هذا؛ فقد ظهر لك بطلان ما ذهبت إليه


(١) جمع الفقيه بين الله ورسوله هنا في ضمير واحد في خمسة مواضع وفي كلمة. تمت من التخريج.

(٢) قال ¥ في التعليق: أراد الفقيه الإشارة إلى أن أبا لهب كلف بالمحال وهو الإيمان، مع أنه لا يقدر عليه مع كفره، فأخطأ في عبارته بأن قال: لا يقدر على واحد منهما، ونسي أن أحدهما قد وجد بقدرته بالاتفاق وهو الكفر، تمت كاتبها.

قال الغزالي في جواب هذه المسألة: إن أبا لهب أمر بالإيمان والتوحيد والأدلة إذ ذاك منصوبة والعقل حاضر؛ إذ لم يكن مجنوناً فكان الإمكان حاصلاً، لكن الله تعالى علم أنه يترك ما يقدر عليه جحداً وعناداً، فعلمه سبحانه بانه لا يؤمن لا يوجب نفي قدرته عليه واستحالته في نفسه؛ لأنه سبحانه إذا علم كون الشيء مقدوراً لشخص متمكناً منه ومتروكاً من جهته مع القدرة عليه لم يكن ذلك الشيء مستحيلاً في نفسه؛ إذ لو انقلب محالاً لانقلب العلم بأنه ممكن جهلاً إلخ. (من المستصفى تمت نقلاً من هامش شرح القلائد).

فأما الفقيه: فقد صحح عدم تعلق القدرة بكل واحد من الضدين فأخرجها عن التعلق أصلاً، وفي ذلك سلبها، تمت.