كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول آية {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم}]

صفحة 367 - الجزء 4

  وإنما يفارق الواجبات على الأعيان من حيث أن من ترك شيئاً منها، وقد قام به غيره سقط عنه الوجوب، وأما إن تركه الجميع أو احتيج إلى قيام الجميع فإنه من واجبات الأعيان، أمراً كان أو نهياً على مراتبهما من اللفظ اللين، ثم الخشن، ثم السوط والعصا، ثم القتل، على ما قدمناه.

  وأما قوله [أي الفقيه]: وإن لم يكن هكذا وانتصب آحاد المسلمين للدعاء إلى الغزو لم تجب إجابته.

  فالجواب [المنصور بالله]: أنه متى علم المسلمون أنهم إن لم يغزو المشركين، هجموا على دار الإسلام لا محالة؛ جاز لآحاد المسلمين غزوهم لتخذيلهم عن غزو المسلمين، وإن لم يعلم ذلك، ولا كان في الزمان إمام حق فقد ذهب إلى جوازه بعض آبائنا - $(⁣١) - وإن لم يكن ذلك إجماعاً منهم، وهو رأي أبي حنيفة وأصحابه وأكثر الفقهاء.

  ورأينا في ذلك هو هذا لأن الله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}⁣[التوبة: ٣٦]، وهذا أمر عام، وكذلك قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}⁣[التوبة: ٥]، فمتى خيف من المشركين الإضرار بالمسلمين، أو الحركة عليهم؛ جاز القتال لهم مع من دعا إلى ذلك ممن يغلب على الظن استقلاله به وإن كان غير إمام.

  ولهذا غزا المشركين قوم كثير من أهل البصائر مع أمراء بني أمية، وإن كانوا لا يعتقدون إمامتهم، وكذلك في أيام بني العباس، فإن بشيراً الرحال | سمي الرحال لأنه كان يغزو عاماً ويحج عاماً، وكان لا يرى إمامتهم.

[حوار حول آية {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}]

  ثم قال [أي الفقيه]: قال القدري [أي القرشي] ثم قال⁣(⁣٢): ويدل على ذلك أيضاً من الكتاب قوله ø: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ


(١) بعض أهالينا # (نخ).

(٢) أي: الفقيه في الرسالة الأولى (الدامغة).