[حوار حول آية {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم}]
  الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور: ٥٥]، قال: فلما وجدت هذه الصفة من الاستخلاف والتمكين في أمر أبي بكر، دل أن خلافته حق.
  والكلام عليه(١) في ذلك من وجوه:
  منها: أن الاستخلاف المذكور في الآية ليس المراد به الإمامة على ما ظنوه؛ بل المعنى فيه بقاؤهم في أثر من مضى من القرون، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ}[الأنعام: ١٦٥]، وفي موضع آخر: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ}[فاطر: ٣٩].
  وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ١٢٩}[الأعراف].
  وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ}[الأنعام: ١٣٣].
  وقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠]، يعني خالق بشراً يخلفكم في الأرض.
  وقال تعالى في قوم عاد: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ}[الأعراف: ٦٩]، أي تخلفونهم من بعدهم.
  فأين ذلك من الإمامة، وقد ذكر أهل التأويل فيما رويناه في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ٦٢}[الفرقان]، المراد به كون كل واحد منهم خلف صاحبه وأنشد في ذلك قول زهير:
  بِهَا الْعِيْنُ والآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأَطْلاؤُها يَنْهَضْنَ مِنْ كلِّ مَجْثَمِ(٢)
(١) الكلام هنا للقرشي.
(٢) العين: البقر واحدها أعين وعيناء، قيل لها ذلك لكبر عيونها، والأصل أن يجمع على فعل كأحمر وحمر إلا أن العين كسرت لمجاورتها الياء. والآرام: الظباء. وأطلاؤها: أولادها الواحد طلا. والمَجْثم: الموضع الذي يجثم فيه أي يقام فيه. وخلفة: فوج بعد فوج. انتهى شرح المعلقات للتبريزي.