كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حوار حول آية {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم}]

صفحة 371 - الجزء 4

  بل شمر لذلك وخرج لقتالهم وحده، وهذا غاية الشجاعة حتى تبعته الصحابة، فعلمنا أنه بالإمامة أولى، ولأن في آخر الآية ما يدل على أن المعني بذلك هو أبو بكر، وهو قوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}⁣[النور: ٥٥].

  ولم يكن الخائف في زمن النبي ÷ من الخلفاء الأربعة غير أبي بكر لأن علياً # أسلم وهو ابن سبع سنين في قول الأكثرين، فلم يكن لصباه يهاج ولا يؤذى، ولا يقصد بمكروه بقول ولا فعل، وكان مع ذلك ابن أبي طالب، وهو رئيس قريش وزعيم بني هاشم، فلم يكن لتخفر ذمته في ولده، ولا يستباح حرمته فيه.

  وبإسلام عمر ظهر الدين وعز الإسلام، وكان النبي ÷ ومن معه من المسلمين قبل ذلك مستخفين بدينهم، لا يقدرون على إظهاره، فلما أسلم عمر قال: لا يُعبَد الله سراً بعد اليوم.

  وعثمان فكان له من يمنع منه ويذب عنه من قصده بسوء، ولهذا لما أراد النبي ÷ أن يأمر عمر عام الحديبية رسولاً إلى مكة قال له عمر: هل أدلك على رجل أعز بها وأمنع مني –يريد عثمان - فأرسله النبي ÷ إليهم.

  وقصة أبي بكر وأذى قومه له، وخروجه من مكة، ورد ابن الدعنة له وإجارته إيّاه، ثم رده جواره عليه، ورضي بجوار الله ø وجوار رسول الله ÷ معروف مشهور، ومعلوم غير منكور.

  فجعل الله له هذه القوة والسلطنة والتمكين في الأرض، والإستطالة على المفسدين، والقدرة على الكافرين، لما ناله من المكروه في ذات الله تعالى في أول أمره، ولما أراد من رفع درجته، وعلو منصبه، ونيله رتبة التقدم على من سواه في الحالتين، وحصول الفضائل التي تميز بها عن غيره في المنزلتين.

  ومعنى الآيات التي زعم القدري أنها مخالفة لما ذهبنا إليه مطابق للمعنى الذي ذكرناه، والوجه الذي قصدناه؛ لأن المعنى فيها كلها على ما زعم أن بعضهم يخلف