كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[رواية أخرى للفقيه عن علي (ع) في شأن الشيخين مع حاشية عظيمة لصاحب التخريج]

صفحة 409 - الجزء 4


=

فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم ... فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم ... فكيف تليها والمشيرون غُيَّب

وقال: (اللهم إني أستعديك على قريش؛ فإنهم قطعوا رحمي، واجتعموا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم). وقال: (إنما أساس الفتنة يوم السقيفة، ويوم الشورى).

وقال لبني أبيه بعد يوم الدار: (إن القوم عادوكم بعد وفاة النبي ÷ كعداوتهم في حياة النبي ÷، ووالله لا ينيبوا إلى الحق إلا بالسيف). وغير ذلك مما لايمكن حصره، قد أفاده الامام # بقوله: فالمعلوم خلافه.

قال علي # لبعض أصحابه، وقد قال له: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام، وأنتم أحق به؟ فقال: (أما الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن الأعلون نسباً، والأشدون برسول الله ÷ نوطا، فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحَكَمُ الله والعود اليه يوم القيامة) تمت نهج البلاغة.

وروى ابن أبي الحديد، والطبراني عن عمر أنه قال لابن عباس: أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا، قال: لكني أدري، قال ابن عباس: ما هو؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجخفوا الناس، فاختارت قريش لأنفسها ووفقت فأصابت. قال ابن عباس: أتميط عني غضبك فتسمع؟ قال: قل ما شئت. قال: أما قولك: «كرهت قريش» فان الله قال لقوم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ٩}⁣[محمد]. وأما قولك: «تجخف» فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكن أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول اللَّه ÷ قال اللَّه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}⁣[القلم]، وقال له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢١٥}⁣[الشعراء]. وأما قولك: «اختارت قريش» فإن اللَّه يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}⁣[القصص: ٦٨]، وقد علمت أن اللَّه اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت.

فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لا يحول.

فقال ابن عباس: مهلاً فإن قلوبهم من قلب رسول اللَّه ÷ الذي طهره اللَّه، وهم الذين قال اللَّه فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣}⁣[الأحزاب]. وأما قولك: «حقداً» فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره.

فقال عمر: أما أنت يابن عباس فقد بلغني عنك أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً.

فقال: أما قولك: «حسداً» فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة. وأما قولك: «ظلماً» فأنت تعلم من هو صاحب الحق، ... إلى أن قال عمر: واهاً لابن عباس ما رأيته لَاحى أحداً إلا خصمه. انتهى باختصار، ورواه الطبري في تاريخه، وأظن رواية ابن أبي الحديد من طريقه.

=