[بيان سكوت أمير المؤمنين الإمام علي، وشبهه بهارون (ع)]
  ما قلنا بيقين؛ لأن سكوته # كان لما يخشى من بوادر الفتن وشق عصا الإسلام، وسواء كان أعوانه أقوى أو أضعف، فإنه لما عقد لأبي بكر وانحاز إليه جلّ الناس كان يقع ما يحاذره #؛ لأن قائلهم يقول: إن البيعة قد لزمتنا، فَفَرْضُنا الذبّ عن إمامنا، وأتباع علي # يقولون: إن الأمر لعلي # بالكتاب والسنة، وما عقدوه لأبي بكر باطل لأنه خلاف الكتاب والسنة، وإقدام على أمرٍ لم يدل عليه دليل، ففرضنا الذب عن إمامنا والإنتصار لعود الأمر إلى أهله؛ فيعظم الخطب، ويتفاقم الأمر، ولا يعلم ما تنجلي عليه المشاقة.
  فرأى علي # السكوت والغفلة حتى يقضي الله بأمره، وهو سالم عند الله تعالى في فعله هذا؛ لأن الأمر بالمعروف إنما يجب إذا كان لا يؤدي إلى ترك معروف آخر كان يفعل قبل ذلك الأمر، أو وقوع منكر أعظم مما وقع النهي عنه، ومتى كان الأمر بخلافه قبح الأمر والنهي، وهذه الصورة ثابتة هاهنا، مع أنه # ما ترك ما يلزم على وجه لا يؤدي إلى ما ذكرنا من المشاقة وهو التنبيه على أنه أولى بالأمر، والامتناع من البيعة لأبي بكر في الوقت الذي لم يخش فيه وقوع مضرة عليه وعلى أهله؛ بل ولا على المسلمين من افتراق الكلمة، وتشتت الأمر، وتمكن أعداء الدين من الإضرار بأهله.
  وما ذكر [أي الفقيه] من بطلان الأحكام في الدماء والفروج والأموال.
  فالجواب عنه [المنصور بالله]: فرع على التمكن، وقد بينا عذره # وعلى أنا لا نقطع على أنهم غيروا شيئاً من الأحكام، ولا فعلوا في الشرع ما يخالف ما هو معلوم عند أمير المؤمنين # وغيره من علماء المسلمين، إلا ما وقع من الإجتهاديات التي لا يتعين الحق منها في قول واحد.
  وعلى أنهم كانوا يرجعون إليه # فيما حزبهم من المشكلات، ولسنا ننكر أن أبا بكر اجتمع عليه الأكثر من قريش والأنصار، وذلك غير دليل على أن الحق معه؛ لأن المعلوم أن الذين أطاعوا السامري في العكوف على العجل كان