[خطبة أمير المؤمنين (ع) المعروفة بالشقشقية]
  خطبته المعروفة بالشقشقية بعد حمد الله والثناء عليه: (أما والله لقد تقمصها(١) فلان، وإنه ليعلم أن محلّي منها محل القطب من الرحا(٢)، ينحدر عني السيل(٣)، ولا ترقى إليّ الطير(٤) فسدلت دونها ثوباً(٥)، وطويت عنها كشحاً(٦)، وطفقت ارتأي(٧) بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجا(٨)؛ فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً.
  حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان، فيا عجباً، بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطّرا ضرعيها(٩)، فصيرها في حوزة خشناء، يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار والاعتذار منها، فصاحبها
(١) في متن نهج البلاغة الذي شرح عليه ابن أبي الحديد: (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة) ذلك من شرح النهج. قوله: تقمصها: أي جعلها كالقميص مشتملة عليه، والضمير للخلافة، ولم يذكرها للعلم بها كقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ٣٢}[ص].
(٢) وقوله: محلي منها محل القطب من الرحا: تشبيه، يقول كما أن الرحا لا تدور إلا على القطب كذلك نسبتي إلى الخلافة فإنها لا تقوم إلا بي. من شرح النهج.
(٣) قوله: ينحدر عني السيل: يعني برفعة منزلته عليكم كأنه في ذروة جبل. من شرح النهج.
(٤) ولا ترقى إليّ الطير: هذه أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها، كأنه يقول: إني لعلوّ منزلتي كمن في السماء. انتهى من شرح النهج.
(٥) قوله: سدلت دونها ثوباً ... إلخ: أي أرخيت، يقول: ضربت بيني وبينها حجاباً.
(٦) وقوله: وطويت عنها كشحاً: أي قطعتها وصرمتها، وهو مَثَلٌ؛ لأن من كان إلى جانبك الأيمن مائلاً فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه. والكشح: ما بين الخاصرة والجنب. انتهى من شرح النهج.
(٧) قوله: أرتأي: ارتأينا في الأمر وترأيناه: نظرناه. أفاده القاموس.
(٨) بيد جذاء: اليد الجذاء بالدال المهملة وبالذال المعجمة والحاء المهملة مع الذال المعجمة كله بمعنى: المقطوعة، والطخية: قطعة من الغيم والسحاب، وعمياء: تأكيد لظلام الحال واسودادها، ويكدح: يسقي، ويكدّ مع مشقة، وهاتا بمعنى هذه: هاء للتنبيه، وتاء للإشارة، وهذا أحجى من كذا: أي أليق بالحجا وهو العقل.
(٩) تشطرا ضرعيها: اقتسما فائدتها ونفعها.