[خطبة أمير المؤمنين (ع) المعروفة بالشقشقية]
  قال ابن عباس: فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على ذلك الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين ~ بلغ منه حيث أراد.
  فهذا كلام كما ترى يختص بأبي بكر وعمر وعثمان، وإيضاح الأمر بأنه # أولى بالأمر منهم، وأنهم نهبوا تراثه، وأنه أغضى كارهاً مغلوباً، وأنه صيّرها في حوزة خشناء من قريش، وكذلك كانت القضية.
  فأما من يتكلم في شأن معاوية باعتقاده إمامته فما نعلمه ممن يُوسم بصلاح في دين ولا بصيرة في إسلام، وإنما هو من الجبرية والقدرية، وهم بإجماع آل الرسول ÷ شر البرية؛ لأن أحداً من أهل البصائر ما جمع حبنا وحب عدونا في قلبه، ولا يمكن النابتة ولا غيرها إنكار عداوة معاوية اللعين بن أبي سفيان وآله ومن تبعه لنا أهل البيت المطهرين من الأدناس، المفضلين على جميع الناس.
  ومن أعجب أمرهم - وكله عجب - تسميتهم من أبغض معاوية وحزبه الرافضة، وهم لا يعرفون أصل الرفض ولا معناه، كما قال بعض أشياعنا ¦:
  لما اعتقدت بأن حبكمو ... آل النبي محمد فرضُ
= أبي الحديد لأبي محمد عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشاب: أتقول إن هذه الخطبة منحولة؟ قال: لاوالله وإني لأعلم أن هذه الخطبة كلام علي كما أعلم أنك مصدق، قال: فقلت له: إن كثيراً من الناس يقولون إنها من كلام الرضي، فقال: أنَّى للرضي، ولغير الرضي هذا النفَس، وهذا الأسلوب قد عرفنا طريقة الرضي، ووقفنا على رسائله وفنه في الكلام، وما يقع مع هذا الكلام في خل، ولا خمر ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صُنِّفَت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد، والد الرضي.
قال ابن أبي الحديد: وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة، ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة من متكلمي الإمامية، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي موجوداً، انتهى من شرح ابن أبي الحديد لخطبة الشقشقية من نهج البلاغة.