[ذكر الخروج ببني الحسن (ع) لقتلهم]
  فأت فأخبرني، فأتاه الرسول فقال: قد أُقبل بهم. قال: فقام جعفر فوقف من وراء ستر شعر ينظر من ورائه ولا يبصره أحد، فطُلع بعبدالله بن الحسن في محمل مُعادِلُهُ مُسَوِّد، وجميع أهل بيته كذلك، فلما أن نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته، ثم أقبل عليَّ ثم قال: يا أبا عبدالله والله لا تحفظ لله حرمة بعد هؤلاء أبداً.
  وروى محمد بن جرير، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني محمد بن إبراهيم، قال: أتي بهم إلى أبي جعفر فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن الحسن، قال: أنت الديباج الأصفر؟ قال: نعم، قال: أما والله لأقتلنك قتلة ما قُتِلَها أحد من أهل بيتك، ثم أمر باسطوانة مبنية ففرّغت ثم أُدخل فيها فبني عليه وهو حي.
  أفهكذا تفعل أئمة الهدى يا متفقّهة الضلال والردى؟!
  ولما حملوهم في محامل قال بعض أهل الولاية، ونحن نرويها، وقيل لابن أبي الزناد السعدي لما خرج ببني حسن من المدينة:
  من لنفس كثيرة الإشفاق ... ولعين كثيرة الإطراقِ
  جمدت للذي دهاها زماناً ... ثم جادت بدمعها المهراقِ
  لفراقِ الذين راحوا إلى المو ... ت عياناً والموت مُرّ المذاق
  ما رأينا من البرية طراً ... مثلهم لو وقا من الموت واقي
  كرماً عندما ألمّ وصبراً ... ليست المقرفات مثل العتاق(١)
  فيهمو سيّد البرية يشكو ... طول حبس وعضّ كبل مضاقِ
  مسحت وجهه قريش وعادت ... بمفدّى مبارك سَبّاق
(١) مقرف كمحسن من الفرس وغيره: ما يداني الهجنة، أمه عربية لا أبوه؛ لأن الإقراف من قِبَل الفحل، والهجنة من قبل الأم. وعتاق ككتاب: من الطير الجوارح، ومن الخيل النجائب، أي الكرام.