[جواب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) على كتاب هارون]
  الذي وجب عليكم، وأنتصر من ظالمكم، وأشفي غليل صدر قد كثرت بلابله، وأسكن قلباً جماً وساوسه من المؤمنين، وأذهب غيض قلوبهم ولو يوماً واحداً، ثم يقضي الله فيّ ما أحب، وإن أعش فمدرك ثأري، داعياً إلى الله سبحانه على سبيل رشاد أنا ومن اتبعني، نسلك قصد من سلف من آبائي وإخوتي وإخواني القائمين بالقسط، الدعاة إلى الحق؛ فإن أمت فعلى سنن ما ماتوا، غير راهبٍ لمصرعهم، ولا راغب عن مذهبهم، فلي بهم أسوة حسنة، وقدوة هادية.
  فأول قدوتي منهم أمير المؤمنين - رضوان الله عليه - إذ كان ما زال قائماً وقت القيام مع الإمكان حتماً، والنهوض بمجاهدة الجبّارين فرضاً، فاعترض عليه من كان كالظلف مع الخف، ونازعه من كان كالظلمة مع الشمس، فوجدوا لعمر الله من حزب الشيطان مثل من وجدتَ، فظاهرهم من أعداء الله مثل من ظاهرك، وهم لمكان الحق عارفون، ولمواضع الرشد عالمون؛ فباعوا عظيم أجر الآخرة بحقير عاجل الدنيا، ولذيذ الصدق بغليظ مرارة الإفك، ولو شاء أمير المؤمنين لهدأت له وركنت إليه بمحاباة الظالمين، واتخاذ المضلين، وموالاة المارقين، ولكن أبى الله ورسوله أن يكون للخائنين متخذاً، وللظالمين موالياً، ولم يكن أمره عندهم مشكلاً.
  فبدلوا نعمة الله كفراً، واتخذوا آيات الله هزواً، وأنكروا كرامة الله، وجحدوا فضيلة الله، فقال رابعهم: أنى يكون لهم الخلافة والنبوة حسداً وبغياً، فقديماً ما حُسِدَ النبيئون وأبناء النبيئين، الذين اختصهم الله بمثل ما اختصنا، فأخبر عنهم تبارك وتعالى، فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ٥٤}[النساء]، فجمع الله لهم المكارم والفضائل والكتاب والحكمة والنبوة والملك العظيم؛ فلما أبوا إلا تمادياً في الغي وإصراراً على الضلال جاهدهم أمير المؤمنين حتى لقي الله شهيداً - رضوان الله عليه -.