كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[جواب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) على كتاب هارون]

صفحة 584 - الجزء 1

  البلاد، لا يتخالجهم فيه الشك، ولا تقفهم عنه الظنون؛ فما ذُكر عند خاصة ولا عامة إلا اعتقدوا محبته وأوجبوا طاعته وأقرّوا بفضله وسارعوا إلى دعوته؛ إلا من كان من عتاة أهل الإلحاد، الذين غلبت عليهم الشقوة، وغمطوا النعمة، وتوقعوا النقمة، من شيع أعداء الدين، وأفئدة المضلين، وجنود الضالين، وقادة الفاسقين، وأعوان الظالمين، وحزب الخائنين.

  وقد كان الدعاء إليه منهم ظاهراً، والطلب له قاهراً، بإعلان اسمه وكتاب إمامته على أعلامكم: محمد يا منصور، يُعرف ذلك ولا يُنكر، ويُسمع ولا يُجهل؛ حتى صرفتموها إليكم وهي تَخطب عليه، وكفحتموها عنه وهي مقبلة إليه؛ حين حضرتم وغاب، وشهدتم إبرامها ونأى، رغبة ممن حضر، وعظيم جرأة ممن اعترض.

  حتى إذا حصلت لكم بدعوتنا، وهدأت عليكم بخطبتنا، وقرّت لكم بسببنا، قالت لكم أجرامكم إلينا، وجنايتكم علينا أنها لا توطأ لكم إلا بإبادة خضرائنا، ولا تطمئنّ لكم دون استئصالنا؛ فأغري بنا جدك المتفرعن فقتلنا لاحقاً بأثره فينا عند المسلمين، لؤم مقدرة، وضراعة مملكة؛ حتى أخذه الله أخذ عزيزٍ مقتدر، قبل بلوغ شفاء قلبه من فنائنا، وهيهات أن يدرك الناس ذلك، ولله فينا خبية لا بد من إظهارها، وإرادة لا بد من بلوغها، فالويل له، فكم من عين طال ما غمضت عن محارم الله، وسهرت متهجدة لله، وبكت في ظلم الليل خوفاً من الله، قد أَسَحَّها بالعبرات باكية، وسملها بالمسامير المحمّاة فألصقها بالجدران المرصوفة قائمة؛ وكم من غرّة وجه طالما ناجى الله مجتهداً، وعنى لله متخشعاً، مشوهاً بالعمد مظلوماً، مقتولاً ممثولاً به معنوفاً.

  وبالله أن لو لم يلقَ الله إلا بقتل النفس الزكية أخي محمد بن عبدالله ¦ للقيه بإثمٍ عظيم، وخطب كبير؛ فكيف وقد قتل قبله النفس التقية أبي عبدالله بن الحسن وإخوته وبني أخيه، ومنعهم روح الحياة في مطابقه، وحال بينهم وبين خروج النَفَس في مطاميره، لا يعرفون الليل من النهار، ولا مواقيت الصلاة إلا بقراءة