[جواب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) على كتاب هارون]
  وعددنا مساوئهم احتجاجاً عليكم على بعد أرحامهم أرأف بنا وأعطف علينا قلوباً من جميعكم، وأحسن استبقاء لنا ورعاية من قرابتكم.
  فوالله ما بأمركم خفاء، ولا بشنآنكم امتراء، ولم لا تُجَاهَدُ وأنت معتكف على معاصي الله صباحاً ومساء، مغتراً بالمهلة، آمناً من النقمة، واثقاً بالسلامة، تارة تغري بين البهائم بمناطحة كبش ومناقرة ديك ومحارشة كلب، وتارة تفترش الخصيان، وتأتي الذكران، وتترك الصلوات صاحياً وسكران.
  لا يشغلك ذلك عن قتل أولياء الله، وانتهاك محارم الله؛ فسبحان الله ما أعظم حلمه، وأكثر أناته عنك وعن أمثالك، ولكنه تبارك وتعالى لا يعجل بالعقوبة، وكيف يعجل وهو لا يخاف الفوت وهو شديد العقاب.
  فأما ما دعوتني إليه من الأمان، وبذلتَ لي من الأموال؛ فمثلي لا تثني الرغائب عَزْمَتَهُ، ولا تنحلّ لخطير همتُه، ولا يبطل سعياً باقياً مع الأيام أثره، ولا يترك جزيلاً عند الله أجره، بمالٍ فانٍ، وعارٍ باقٍ، هذه صفقة خاسرة، وتجارة بائرة، أستعصم الله منها، وأسأله أن يجيرني من مثلها بمنّه وطوله.
  أفأبيع المسلمين وقد سمت إليّ أبصارهم، وانبسطت نحوي آمالهم بدعوتي، واشرأبّت(١) أعناقهم نحوي، إني إذاً لداني الهمة، لئيم الرغبة، ضيق العطن(٢).
  هذا والأحكام مهملة، والحدود معطّلة، والمعاصي مستعملة، والمحارم منتهكة، ودين الله محقور، وبصيرتي مشحوذة، وحجة الله قائمة في إنكار المنكر.
  أفأبيع خطيري بمالكم، وشرف موقفي بدراهمكم، وألبس العار والشنار
(١) اشرأبّ إليه: مد عنقه لينظر وارتفع، والاسم الشرأبيبة كالطمأنينة، والشربة كحربة. انتهى من القاموس.
(٢) العَطَن محركة: وطن الإبل ومبركها حول الحوض، ومربض الغنم حول الماء. انتهى من القاموس. وهذا مثل يضرب لضيق الصدر وعدم الاحتمال. انتهى من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.