[جواب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) على كتاب هارون]
  بمقامكم، لقد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين؛ والله ما أكلي إلا الجشب(١)، ولا لباسي إلا الخشن، ولا شعاري إلا الدرع، ولا صاحبي إلا السيف، ولا فراشي إلا الأرض، ولا شهوتي من الدنيا إلا لقاؤكم والرغبة في مجاهدتكم ولو موقفاً واحداً، انتظار إحدى الحسنيين في ذلك كله في ظفر أو شهادة.
  وبعد فإن لنا على الله وعداً لا يخلفه، وحتماً سوف ينجزه حيث يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور: ٥٥]، وهو الذي يقول عز قائلاً: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ٥}[القصص].
  فلما ورد جوابه على هارون أثنى وساده، ومنعه رقاده، وظن أن مدتهم قد قرب انقضاؤها؛ فشاور أهل الرأي والوزراء والعمال وفقهاء السوء وقضاة الجور، فاستبهم عليهم باب الخطب، وعظم الوجل وتناهى الكرب.
  فقال أبو البَخْتَري(٢) وهب بن وهب - لعنه الله - وكان من قضاته بل جعله قاضي القضاة: ياأمير المؤمنين عليّ أحتال لك حتى يُسَلم يحيى من جستان.
  قال: وكيف ويلك تعمل؟ قال: أجمع من وجوه أهل قزوين وزنجان والري وأبهر وهمذان وعلمائها من قدرت، ويشهدون عند جستان أني قاضي القضاة، وأشهد أن يحيى لك عبد، ويشهدون هم بمثل ذلك تقوية للخلافة؛ فَسُرّي(٣)
(١) الجشب من الطعام: هو الغليظ الخشن، وقيل: غير المأدوم، وكل بشع الطعم جشب. انتهى نهاية.
(٢) أبو البختري بالخاء المعجمة وفتح الباء، قال وقد تصحّف على كثير من الناس بالحاء المهملة. تمت من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.
(٣) سري عنه: أي كشف عنه الخوف، يقال: سروت الثوب وسريته إذا خلعته، والتشديد فيه للمبالغة. انتهى نهاية.