[جواب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) على كتاب هارون]
  عند سماعه هذه الحيلة غمّه، وانجلى كربه وهمّه، وأمر لأبي البختري بثلاثمائة ألف درهم، ووجّه من فوره إلى الفضل بن يحيى وأمر أن من امتنع من الشهادة ممن قد ذكره ضرب عنقه واصطفى ماله، ومن شهد أُكرم وأُسقط عنه الخراج.
  فجمع من العلماء من أهل الجهات التي ذكرناها والنواحي التي سميناها ممن يعرفهم جستان ألف وثلاثمائة، فشهدوا له بأن أبا البختري قاضي القضاة، وشهد لجستان بأن يحيى # عبد لهارون وليس بابن بنت النبي - عليه الصلاة والسلام وعلى آله -.
  وقد كان الفضل عرف بأن امرأة جستان غالبة عليه، فطمع فيه من جهتها، فأنفذ إليها من الألطاف والجواهر والطيب والثياب حتى أرضاها، وغلبت عليه وأشارت على جستان بتسليمه إليهم.
  فلما اجتمع هذان السببان، قال جستان ليحيى #: يا يحيى وما وجدتَ أحداً تخدعه بدعوتك غيري؟
  فقال له #: أيها الرجل إن لك عقلاً فاجعله حكماً دون هواك، لو أني كنتُ كما قالوا ما وجّهوا إليك بهذا المال، ولا وجّهوا هذا الجند العظيم، وأنفقوا المال الجسيم؛ لأجل عبد هرب، ولا جمعوا من وجوه هذه الأمصار من ترى ليشهدوا عندك بالزور؛ فابعث من تثق به يسأل عني في هذه الأمصار وفي غيرها مَنْ أنا حتى تكون على يقين من أمرك.
  فقال جستان - وكانت نيته قد فسدت بهذه الأسباب - هذا يطول: ما كان هؤلاء ليشهدوا عندي بالزور.
  فقال: إنهم مكرهون على الشهادة، وإن من أبى منهم قُتل؛ فاجمع بيني وبينهم.
  فقال: أَفْعَلُ هذا.