كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[خطبة الإمام يحيى بن عبدالله (ع) لما اجتمع بالذين جاءوا إلى جستان ليشهدوا عليه]

صفحة 591 - الجزء 1

  درن الشك، ولحب⁣(⁣١) لكم الطريق، وسَنن لكم السنن، وشرع لكم الشرائع، خافضاً في ذلك جناحه، يشاوركم في أمره، ويواسيكم بنفسه.

  ولم يبغ منكم على ما جاءكم به أجراً إلا أن تودّوه في قرباه، وما فعل ÷ ذلك حتى أنزل الله فيه قرآنا، فقال تبارك وتعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}⁣[الشورى: ٢٣].

  فلما بلّغ رسالة ربه، وأنجز له ما وعده من طاعة العباد، والتمكن في البلاد، دُعي ÷ فأجاب، فصار إلى جوار ربه وكرامته، وقدم على البهجة والسرور، وقد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر؛ فوعده الشفاعة عنده، والمقام المحمود لديه.

  فخلّف بين أظهركم ذريته، فأخّرتموهم وقدمتم غيرهم، ووليتم أموركم سواهم، ثم لم نلبث قليلاً حتى جُعِل مال ولده حوزاً، وظُلمت ابنته فدفنت ليلاً، وقُتل فيكم وصيه وأخوه وابن عمه وزوج ابنته، ثم خُذل وجُرح وسُمّ سبطه الأكبر أبو محمد، ثم قُتل سبطه الأصغر أبو عبدالله مع ثمانية عشر من أهل بيته في مقام واحد، ثم على أثر ذلك نُبش وأُحرق بالنار ولد ولده، ثم هم بعد ذلك يُقتلون ويُطردون ويُشرّدون في البلاد إلى هذه الغاية.

  قُتل كبارهم، وأيتم صغارهم، وأُرملتْ نساؤهم، سبحان الله، ما لقي عدوّ من عدوه ما لقي أهل بيت نبيكم منكم من القتل والخوف والصلب، وليس فيكم من يغضب لهم إلا هزواً بالقول، وإن زعمتم وقمتم معهم كي تنصروهم لم تلبثوا إلا يسيراً حتى تخذلوهم وتفرقوا عنهم.

  فلو كان محمد ÷ من السودان البعيدة أنسابهم، المنقطعة أسبابهم، إلا أنه قد جاوركم؛ لوجب عليكم حفظه في ذريته، كيف وأنتم شجرة هو أصلها،


(١) ولحب لكم: أي وسّعها وأوضحها، واللاحب: الطريق الواسع المنقاد الذي لا ينقطع. من النهاية.