[ذكر أيام المأمون العباسي ومن كان بإزائه من أهل البيت (ع)]
  إن كنتما لا تشربان معي ... خوف المعاد شربتها وحدي
  وقال في الخمر مازحاً والكفر يقع في المزاح:
  هذه الممنوع منها ... وأنا المحتج عنها
  ما لها تحرم في الدنـ ... ـيا وفي الجنة منها
  ولما دخل عليه طاهر بن الحسين وهو يشرب سلم فرد المأمون #، وقال: اسقوه رطلاً فأخذه في يده اليمنى، ثم قال له: اجلس فخرج فشربه، ثم عاد وقد شرب المأمون رطلاً آخر، فقال: اسقوه الثاني، ففعل كفعله الأول، ثم دخل فقال له المأمون: اجلس، فقال: يا أمير المؤمنين ليس لصاحب الشرط أن يجلس بين يدي سيده، فقال المأمون: ذلك في مجلس العامة؛ فأما في مجلس الخاصة فطِلق(١).
  فأين هذا من ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم # الذي قيل لمحمد بن منصور المرادي: إنك عاشرتَ القاسم بن إبراهيم مدة طويلة والناس يقولون: لم تستكثر من علمه، قال: أويظنون أنا كلما أردنا كلامه كلمناه، من كان يقدر على ذلك؟ وكنتُ إذا لقيته فكأنما أُشرب حزناً، كل ذلك من ذكر الآخرة وخوف المعاد، وتأسفاً على هلاك الأمة، وضياع الدين، لغلبة أئمة الجور.
  وروى أبو جرير علي بن صالح، قال: قال لي المأمون: أبغني رجلاً من أهل الشام له أدب يجالسني ويحدثني، فالتمستُ ذلك فوجدته فدعوته، وقلت: إني مدخلك على أمير المؤمنين فلا تسأله عن شيء حتى يبتديك فإني أعرف الناس بمسألتكم يا أهل الشام، فقال: ما كنتُ متجاوزاً ما أمرتني؛ فدخلتُ على المأمون، فقلت: أصبتُ الرجل يا أمير المؤمنين، فقال: أدخله، فدخل، فسلّم، ثم استدناه، وكان المأمون على شغله من الشراب، فقال له: إني أريدك لمجالستي ومحادثتي، فقال الشامي: يا أمير المؤمنين إن الجليس إذا كانت ثيابه دون ثياب
(١) الطلق بالكسر: الحلال، يقال: هو لك طلقاً. انتهى مختار صحاح، وأفاده القاموس.