[رجع إلى خبر أبي السرايا ¦]
  في غمده وقنع فرسه ومضى نحو الكوفة فلم يشهد شيئاً من الحرب بعدها.
  ووقف أبو السرايا على القنطرة طويلاً وخرج رجل من أهل بغداد فجعل يشتمه بالزاني - لا يكني - وأبو السرايا واقف - رحمة الله عليه - لا يتحرك، ثم تغافله ساعة حتى هم بأنه ينصرف، ثم حمل عليه فقتله، وحمل في عسكرهم حتى خرج من خلفه، ثم حمل من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم من درعه.
  ثم دعا غلاماً له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره أن يمضي حتى يصير من وراء العسكر ثم يحمل عليهم لا يكترث؛ فمضى الغلام لوجهه مع من معه قاصداً بما أمره به، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس أدهم محذوف(١) وقد اتكأ على رمحه - رحمة الله عليه - فنام على ظهر الفرس حتى غط وأهل الكوفة جزعون مما يرون من عسكر زهير ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم وهم يصيحون ويضجون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومته؛ فلم ينتبه.
  حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه فبال ثم قنعه(٢) حتى رضي بحفزه(٣)، ثم أومأ بيده نحو الكمين الذي بعثه وصاح بأهل الكوفة: احملوا وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو الإشارة.
  وخالط أبو السرايا وغلامه سيار العسكر وصاح بغلامه: ويلك يا سيار ألا
(١) حذفه يحذفه من باب ضرب أسقطه، ومن شعره: أخذه. أفاده في القاموس، ولعل المراد أخذ من شعر ذنبه. انتهى من الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي #.
(٢) قنعه تقنيعاً رضَّاه، والمرأة ألبسها القناع، ورأسه بالسوط غشاه به. من القاموس.
(٣) حفزه دفعه من خلف وبابه ضرب والليل يحفز النهار أي يسوقه ورأيته محتفزاً أي مستوفزاً. أفاده كتاب مختار الصحاح، والمستوفز هو المنتصب غير المطمئن والمتهيء للوثوب. انتهى من إملاء الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد المؤيدي # معنىً من القاموس.