كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الإمام علي بن موسى الرضا (ع)]

صفحة 656 - الجزء 1

  وغيظاً، وقال: هاتوا الرمان، وكان قد أمر رجلاً من خواصه طول أظافيره فجعل المأمون يكسر الرمانة فيأكل من بعضها ويعطي الذي طول أظافيره بعضها فيقول اعصر لأخي فيعصر إلى إناء قد أعده حتى حصل منه ما أراد وناوله إياه فشربه فكان فيه حتفه.

  ولما مات أظهر عليه جزعاً عظيماً، وقبره إلى جنب قبر أبيه تودداً وإظهاراً للإنصاف؛ فغبي قبر هارون حتى كأنه لم يكن هناك، ونسب المشهد إلى علي بن موسى الرضا # فلا يَعرف أن هناك هارون إلا أهل المعرفة، وهكذا ينبغي أن يكون الحق والباطل، وإلا فالدولة العباسية إلى الآن، ومنشأ الدعوة العباسية خراسان؛ فصغر الله الباطل وعظم الحق، فمن أراد اليوم زيارة علي بن موسى الرضا # خلع نعليه على رأس هارون، وهذا مما يَعرف به أهل البصائر قوة الحق وأهله على كل حال.

  وكانت بيعة المأمون لعلي بن موسى الرضا لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين فأمره وأمر من قبله من الهاشميين والقواد والجند بنزع السواد ولبس الخضرة كما قدمنا آنفاً، واعتبر بذلك طاعتهم ففعلوه، وقبضت البيعة من الجميع كما قال أبو فراس بن حمدان:

  باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته ... فأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا

  عصابة شقيت من بعد ما سعدت ... ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا

  وكما قال القاضي التنوخي:

  ومأمونكم سم الرضا بعد بيعة ... تؤود ذرى شم الجبال الرواسب⁣(⁣١)

  وكان السم بعد البيعة والعهود الأكيدة والرحم الماسة، والصهارة الواصلة بين الأنام التي يراعي حرمتها العوام؛ فإنه زوج علي بن موسى الرضا ابنته أم


(١) تؤود: أي تثقل.