ذكر أيام المعتصم، ومن كان بإزائه من العترة الطاهرة (ع):
  فأخذتهما فاستوثقت منهما بالقيود الثقال، وكتبت إلى عبدالله بن طاهر بخبرهما، وسرت إلى نيسابور ستة أيام فصيرت محمد بن القاسم في بيت في داري ووكلت به من أثق به من أصحابي، ووكلت بأبي تراب عبد الشعراني.
  فوضع محمد كساءه وقام يصلي وعبدالله يشرف من غرفة في الساذباج علينا فلما فرغت من الاحتياط عليه صرت إلى عبدالله بن طاهر فأخبرته الخبر وقصصته عليه شفاهاً، فقال لي: لا بد من أن أنظر إليه.
  فصار إلي مع المغرب وعليه قميص وسراويل ونعل ورداء وهو متنكر فلما نظر إلى محمد بن القاسم وثقل الحديد عليه، فقال: ويلك يا إبراهيم ما خفت الله في فعلك أتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد؟ فقلت: أيها الأمير خوفك أنساني خوف الله، ووعيدك الذي قدمته إليّ أذهل عقلي عما سواه، فقال: خفف هذا الحديد كله عنه وقيده بقيد خفيف في حلقته رطل بالنيسابوري - ووزن النيسابوري مائتا درهم - وليكن عموده طويلاً، وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه، ومضى فتركه.
  فأقام بنيسابور ثلاثة أشهر يريد بذلك أن يعمي خبره عن الناس لما كان يخشى من قيام دهماء الناس فيه، وذلك لكثرة من بايعه بكور خراسان، وكان عبدالله يخرج من اصطبله بغالاً عليها القباب يوهم الناس أنه قد أخرجه، ثم يردها، حتى إذا استبرأ(١) بنيسابور سلَّه في جوف الليل وخرج به مع إبراهيم بن غسان الذي أسره من نسأ، ووافى به الري، وقد أمره عبدالله أن يفعل كما فعل هو يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة ومعه جيش حتى يجوز الري بفراسخ، ثم يعود إلى أن يمكنه سله في ليلة مظلمة لا يؤبه له فيها، ففعل ذلك خوفاً من أن يغلب عليه؛ لكثرة من أجابه، حتى أخرجه من الري ولم يعلم به
(١) أي أظهر البراءة.