[ذكر شيء من ورع واحتياط وشجاعة الإمام المؤيد بالله (ع)]
  لبيت المال، فأنكر عليه، وقال: متى عهدتني استجيز حمل ملبوسي على دواب بيت المال، وكان يصرف من خاص ماله إلى بيت المال ما يكون عوضاً عما يرسله الكتاب في أول الكتب ويفرجه بين السطور في الكتاب.
  وحكى القاضي يوسف: أن شيئاً من العشر حمل إلى داره يصرفه في مصالح المسلمين فالتقط منه حبات بعض الدجج التي تقتنى لأكله خاصة فغرم من ماله أضعاف ذلك، وقيل: إنه صرف الدجج إلى بيت المال.
  وكان إذا أراد دخول الحمام بهوسم استأجره يوماً بثمن معلوم ويستأجر الحمامي لحفظ الثياب.
  وكان ولده أبو القاسم من الشجعان الذين لا يقادرون شجاعة مع الفضل الذي كان فيه والكفاية فشكا ضيق الحال وأن ما يصل إليه لا يقوم به وسأله الفسح فأطلق له ذلك، فقيل له: أبو القاسم فارس فاره(١) ولا غنى عن مثله فلو أطلقت له ما يكفيه، فقال: إني أدر عليه نصيبه ولا يمكن الزيادة عليه؛ لأن الله تعالى أوجب المساواة في الحق بين الأولاد والأجانب.
  وحكى القاضي يوسف: أن بعض النقباء كان واقفاً بين يديه فلما أراد # دخول البيت حوّل حمشكته فلما شاهد صنيع النقيب جلس، وقال: يا هذا من أمرك بما صنعت؟ ثم دعا بندار وسأله عن مشاهرة النقيب، فقال: ثلثا دينار، فقال: رده إلى نصف دينار وحط الباقي إلى بيت المال، واكتب علي فإني لا آمن أن يعاود إلى مثل ذلك؛ ولئن أردنا حكاية ما ورد في هذا الباب ليطول به الشرح، وظهوره عند أهل العلم يغني عن الإطناب فيه.
  وكان له # من الشجاعة والشهامة وثبات القلب ما لا يبعد أن يكون لمثله، فقد تجاوز فيه حد الشجعان من أهل عصره على كبر سنه وضعف جسمه لنهك العبادة له.
(١) فره ككروم فرَاهَة وفرهية: حذق. انتهى من القاموس.