خطبة رسالة فقيه الخارقة والرد عليها
  يستحقه ø على نعمه المتقاطرة، وآلائه الباطنة والظاهرة، وهذا إنما يتم على مذهب أهل العدل والتوحيد، حيث اعتقدوا أن الله تعالى قصد عباده بالنعم وغمرهم بالإحسان، دون ما يقول معاشر المجبرة المجورة من أنه سبحانه قصد بها الاستدراج إلى العطب؛ فصارت على هذا القول الشنيع بمثابة الخبيص المسموم.
  وإنما نقول: إنه عرض المكلفين لهذه النعم، والتكليف بالشكر لها للثواب الذي هو غاية غرضه تعالى ومراده؛ ليكمل لهم سبحانه نعم الدارين، ويوفر عليهم الحظين، تفضلاً في الدنيا، وعوضاً وثواباً في الآخرة، فكان إنعاماً موصولاً بإنعام.
  وأما على مذهب المجبرة القدرية مع قولهم: إن الله ø خلق خلقاً وابتدأ خلقهم للنار، من غير جناية سابقة منهم، وقصد ذلك بهم، وأوقعهم فيه وأراده لهم، وخلق فيهم الكفر الموقع في النار، والقدرة الموجبة له، التي لا انفكاك لهم معها عنه، والإرادة الموجبة للكفر، وقدرة الإرادة الموجبة لإرادة الكفر، فسلبهم الإيمان الذي هو طريق الجنة، وحال بينهم وبينه بالحوائل والأَسِدَّة، بخلق الكفر وقدرته وإرادته، وقدرة إرادته الموجبة لها، فكيف يكون منعماً على من هذه حاله، لولا قلة التأمل والتحصيل؟!
  وأما قوله: «الذي نور قلوب العارفين بأنوار معرفته» فالكلام عليه: أنه إن أراد أن الله سبحانه نصب الأدلة للمكلفين بحيث يستدلون بها، وقصد انتفاعهم بالاستدلال بذلك، أو أراد أنه تعالى خلق لهم العقول التي هي من أسنى المواهب والعطايا التي يتمكنون بها من النظر في الأدلة الدالة على معرفته سبحانه - فالوجهان صحيحان.
  وإن أراد أنه سبحانه خلق لهم المعرفة بنفسه تعالى، أو خلق لهم الإيمان الذي به يتميزون عن أهل الجحدان - فهذان الوجهان غير صحيحين؛ لأنه تعالى لا