[بداية خطبة فقيه الخارقة والرد عليها وتوضيح تناقضاته]
  يُعْرَفُ ضرورة في دار التكليف؛ لأنه لو عُرِفَ ضرورة لما حسن ذم من لم يعرفه تعالى إذا لم يخلق العلم به في قلبه على هذه القاعدة، وقد ثبت عند الجميع أن الجهل بالله كفر بغير شك، ولغير ذلك من الوجوه المذكورة في كتب الأصول.
  وأما خلق الإيمان فإنه لا يصح من حيث دلت الأدلة القاطعة على أن العبد فاعل لما يتعلق بقدرته على ما سيجيء مفصلاً.
  وأما قوله: «وسخر الكواكب الجارية في بروج الأفلاك بقدرته» فالكلام فيه بمثل ما تقدم، من أنه إن أراد أنه سبحانه أنعم بها على عباده لمنافعهم في الدنيا للاستدلال بها على صانعها والاهتداء بها في البر والبحر، وكونها علامات لما يمن به على من يشاء، وغير ذلك من الإنعام الذي لا جور فيه ولا ظلم - فذلك قول صحيح.
  وإن قصد بها أمراً يوقعهم به في الهلاك والعطب، أو تلبيس الأدلة والتمكين من التمويهات التي تذهب إليها ملحدة المنجمين، وأنه سبحانه أراد ذلك لكي يوقعهم به في النار - فذلك قول باطل؛ لما ذكرنا في غير موضع من هذا الجنس مما تجده مستقصاً في موضعه إن شاء الله تعالى.
  وأما قوله: «وفاضل بين رتب العالمين في مواهبه وقسمته» فالكلام عليه على ما تقدم من أنه إن أراد أن الله تعالى فاضل بين رتب عباده في أرزاقهم وخلقهم وقُواهم، ولطف لكل مكلف بما علم أنه لطف له - فذلك صحيح، وهو اللائق بحكمته ø، خلاف من ينكر ذلك من الطبائعية والمطرفية ومن شاركهم من فرق الضلال.
  وإن أراد أن الله تعالى فاضل بينهم بأن أدخل بعضهم في الإيمان وبعضهم في الكفر والعصيان - فذلك باطل، ونسبة الجور إلى الله تعالى حيث خلق الإيمان وأمر به ومدح عليه، وخلق الكفر ونهى عنه وذم عليه.
  وأما قوله [أي الفقيه] بعد ذلك في خطبته: «إنه سبحانه يسر كلاً لما خلق له