[آية الذرء وتوضيح أنه لا يصح الاستدلال بالقرآن مع التزام مذهب الجبر]
  وهو سبحانه لا تجوز عليه الحاجة إلى شيء أصلاً، حسناً كان أو قبيحاً؛ فكان أحق وأولى بأن لا يفعل قبيحاً، وهذه الطريقة العقلية القاضية بأنه تعالى لا يبتدي أحداً بالشقاوة، ولا يخلقه لها بحسبما يليق بهذا الموضع.
  وأما دلالة السمع من الكتاب الكريم: فيقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}[الذاريات]، فالله سبحانه نفى أن يكون خلق أحداً من الجن والإنس إلا لعبادته على وجه العموم، وخصصنا من ذلك من لم تكمل فيه شرائط التعبد إما بأن يموت صغيراً، وإما أن يبلغ غير كامل للعقل بدلالة الكتاب والسنة.
  أما الكتاب: فقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]، ولم يؤته شرائط العبادة، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وليس في وسعه معرفة ما كلف الله لعدم العقل، والتكليف بما لا يعلم قبيح عند الجميع.
  وأما السنة: فقوله ÷: «رفع القلم عن ثلاثة ... الخبر» وهو ظاهر عند الجميع من أهل النقل؛ فصح ما قلناه.
[آية الذرء وتوضيح أنه لا يصح الاستدلال بالقرآن مع التزام مذهب الجبر]
  فإن قال: أفليس قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف: ١٧٩].
  فالجواب: أنه لا يصح له الاستدلال بالقرآن مع الالتزام بمذهب الجبر وإضافة القبائح كلها إلى الله سبحانه؛ لأنه إنما يصح الاستدلال بالقرآن الكريم متى علمنا أنه كلام حكيم لا يجوز عليه الكذب والتلبيس وتعمية المراد، ولا أن يظهر المعجز على الكذابين؛ لأنا متى جوزنا منه سبحانه شيئاً من ذلك لم نثق