[كلام فقيه الخارقة حول السنة والجماعة والجبرية وبقية المفاهيم والرد عليه]
  فأما إضافة مخازي العباد إليهم دون الله تعالى فذلك تنزيه وتوحيد، وتعظيم وتمجيد، على أنا قد بينا أن المماثلة لا تقع بكون الفاعل فاعلاً؛ لأن معنى ذلك أنه وجد من جهته ما كان قادراً عليه وليس بأمر يعود إلى الفاعل، فكيف يقال: إن به تقع المماثلة، وبيَّنا أيضاً أن المماثلة إنما تقع بصفة الذات بشرط الاشتراك فيها بما إن تدبره بعين البصيرة عرف صحة ما قلناه وفساد ما قاله.
  وأما قوله: «بل زادوا على ذلك حتى قالوا: إنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه الله تعالى؛ تعجيزاً لإلهيته وقدرته».
  فالكلام عليه: أنه إن أراد أن أفعالهم منهم لا من الله تعالى الحسن منها والقبيح - فقد بينا ذلك، وستجده مستقصىً في موضعه إن شاء الله تعالى.
  وإن أراد أنهم يفعلون من دون أن يقدرهم الله سبحانه على الأفعال بخلق القدرة فيهم، ومن دون أن يمكنهم بخلق الآلات ويلطف بمن كان له لطف في الطاعة - فذلك قول باطل، المفزع إلى الله من جميع ذلك في كل أوان.
  وإن أراد أن الفعل يكون لفاعلين وذلك من المستحيل؛ لأنه لو أراد أحدهما وجوده وكره الآخر وجوده لزم أن يوجد من حيث أراده أحدهما ويبقى على العدم من حيث كرهه الآخر؛ لأن من حق القادر أن يوجد مقدوره متى أراد ما لم يمنع، ومن حقه أيضاً أن لا يوجد مقدوره متى لم يرده ما لم يكره على فعله، فهذا لا يصح إلزامه لهم بما ذكره بعد بطلان مذهبه، وإلا فمتى كان فعلهم فعل الله فأين يقع الإلزام؟ وبم تتعلق الأحكام؟
  وأما قوله: «تعجيزاً لإلهيته وقدرته».
  فالجواب: أن التعجيز نفي ما كان قادراً عليه على وجه يريد حصوله لا محالة، وهذا لا يتصور في أفعاله تعالى.
  وأما قوله: «وأنهم يطيعونه قهراً ويعصونه جبراً».
  فالجواب: أن هذا من أعجب الحكاية! كيف يكون مقهوراً من حصل ما