[كلام فقيه الخارقة حول السنة والجماعة والجبرية وبقية المفاهيم والرد عليه]
  أراده على الوجه الذي أراده؟ وكيف يكون مجبوراً من أراد فعل غيره على وجه الاختيار لا على وجه الاضطرار؟ ولو أراد سبحانه أفعال خلقه قهراً واضطراراً لكانت لا محالة، ولكن أهل العدل يمنعون من وقوع ذلك في المكلفين، من حيث كان يزيل تكليفهم، ولا يحسن حينئذ مَحْمَدَةٌ لمحسن، ولا مَذَمَّةٌ لمسيء.
  وأما قوله: «ويدخلون أنفسهم بأعمالهم الجنة قسراً، وأنهم يملكون لأنفسهم نفعاً وضراً».
  فالجواب عنه: أنها حكاية باطلة، بل يدخلون الجنة بما تقتضيه حكمة الله ø من أنه ألزمهم الشاق فلا بد من نفع يجبره وإلا كان ظلماً؛ لأن إلزام الشاق جارٍ مجرى إنزاله؛ فإذا كان إنزاله بغير نفع يجبره ظلماً قبيحاً، فكذلك إلزامه.
  على أنا نقول: إن العباد يدخلون الجنة بفضل الله ورحمته، من حيث خلقهم وقصد نفعهم وكلفهم، وقصد تعريضهم لمنزلة الثواب، ومكنهم القدرة والعقول وسلامة الآلات وإزاحة العلل والألطاف الداعية إلى ذلك، ولولا ذلك لما بلغوا إلى درجة الثواب أصلاً، فكيف يستجيز القول بأنهم يدخلون أنفسهم بأعمالهم الجنة قسراً؟
  وأما قوله: «وأنهم يملكون لأنفسهم نفعاَ وضراً».
  فالجواب: أنه إن أراد ما يكون من ذلك من فعل الله تعالى جزاء على أعمالهم فقد بينا أنهم يقدرون على سائر أفعالهم، الحسن الذي يؤدي إلى نفع الجنة، والقبيح الذي يؤدي إلى ضرر العقاب.
  وإن أراد أنهم يتمكنون من جلب منافع الدنيا بما خلق الله تعالى لهم من القوى والآلات والعقول وكذلك دفع مضارها - فقد بينا أن العباد يقدرون على أفعالهم، وسيأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى.
  وإن أراد أنهم يدخلون أنفسهم الجنة قسراً دون اختياره تعالى لذلك - فلم يقل بذلك عاقل.