كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذم الفقيه للمجبرة والقدرية وتخاليطه في ذلك]

صفحة 120 - الجزء 2

  من الجهالة ما لم يقل به أحد، ولا يتجاسر عليه سواه!

  فقد كان الأولى به - ولا فرج له - بأن يقول: إن الفعل خلق من الله وكسب من العبد كما يقوله الأشعري وطبقته؛ فيبقى للكلام موضع اختلاف، وهو الشبهة في اختلاف جهة الإضافتين، وتوجيه الأوامر والنواهي من أحد الوجهين، وإن كنا نقول لصاحب الكسب: هل هو شيء خلقه الله تعالى أم لا؟ فإن كان الله تعالى خالقه؛ فقد أضاف الفعل إليه سبحانه وتعالى من وجهين: من جهة الخلق، ومن جهة الاكتساب.

  وإن لم يخلقه تعالى فيقال: هل فعله العبد؟ ثبت أن العبد فاعل. أو لا فاعل له؟ بطل؛ لأن كل محدَث لا بد له من مُحْدِث؛ إذ لو جاز في بعض الحوادث أن لا يكون له مُحدِث جاز في سائرها، وفي ذلك نفي الصانع تعالى وتقدس.

  وأما قوله: «ارتفعت عن تقصير الجبرية، وانحطت عن غلو القدرية» وما رواه من الخبرين.

  فالجواب: أن هذا نوع آخر من تخاليطه التي لم يسبقه إليها سواه إذ ادعى أنه اتخذ طريقة غير طريقة الفريقين، وقد بينا أنه خروج عن النفي والإثبات من أحد الوجهين، وجمع بين النفي والإثبات من الوجه الآخر، وجعل مذهبه منتظماً للطرفين؛ فيلزمه على قوله أن يكون جامعاً بين الخطأين ويتخذهما مذهباً، وهاهنا قال: «ارتفعت عن تقصير الجبرية» وهم أضافوها إليه، ثم ادعاه تقصيراً، «وانحطت عن غلو القدرية» وهم أضافوها إلى أربابها من العبيد فسمى قول الجبرية الجهمية ومن طابقهم تقصيراً، وسمى قول العدلية - الذين سماهم القدرية وهو أحق بهذا الاسم - ارتفاعاً، وجمع بين المقالتين بجعل مذهبه ارتفاعها وتقصيرها؛ لقوله: إنه جعل مذهبه منتظماً للطرفين.

  ثم العجب من قوله: «كلا طرفي قصد الأمور ذميم» وهو الذي اختاره له مذهباً، وجمع بين هذين الطرفين فيه، وحكى أن كل واحد منهما ذميم.