كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[ذم الفقيه للمجبرة والقدرية وتخاليطه في ذلك]

صفحة 121 - الجزء 2

  وأما استدلاله بما رواه من قوله ÷: «دين الله بين الغالي والمقصر»، وقوله #: «خير الأمور أوساطها» فلم يسلك هذه الطريقة بل أثبتهما معاً في أحد قوليه، ونفاهما في معنى قوله الآخر، وما أثبت ثالثاً فيكون وسطاً سوى ما ادعاه أنه انتظم الطرفين وجمع الشيئين لا يكون وسطاً سواهما.

  وعلى أنه ذكر أنه انتظم الطرفين من المذهبين وأخذ الوسط من القولين؛ فلو سلمنا له أنه ليس بمتناقض لكان قد أخذ المذهبين معاً؛ لأن من أخذ الوسط والطرفين لم يبق شيئاً سوى ذلك، وعلى أنه قد عاب كل واحد من المذهبين على انفراده، وجمع بين طرفيهما ووسطهما فاتخذه له مذهباً؛ فيظهر من قوله هذا أنه اتخذ مذهبه ما عابه من الجانبين.

  وأما قوله: «وقد روي عن جعفر بن محمد عليه وعلى آبائه السلام أن رجلاً قال له: هل العباد مجبرون؟ فقال: (الله أعدل من أن يجبر عبداً على معصيته، ثم يعذبه عليها)، فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: (الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد)، فقال له السائل: فكيف إذاً؟ فقال: (أمر بين الأمرين لا جبر، ولا تفويض)».

  فالكلام عليه: أن الرواية إن صحت عن جدنا جعفر # فلها وجه صحيح لا يخالف ما نذهب إليه، بل بأن يكون لنا حجة أولى، وذلك أن السائل لما قال: العباد مجبرون؟ فقال: (الله أعدل من أن يجبر عبده على معصيته ثم يعذبه عليها)، وهذا يدل من مذهبه # أن العبد يفعل الفعل على حد تلزمه أحكامه إن كان طاعة استحق عليها الثواب، وإن كان معصية استحق عليها العقاب، ولن يتم ذلك إلا وهو قادر على أن يفعل وأن لا يفعل، وأنه مأمور بالطاعة وموعود عليها بالثواب، ومزجور عن المعصية ومتوعد عليها بالعقاب؛ فلو كان الفعل من الله تعالى أو كانت القدرة موجبة للفعل لما حسن الأمر ولا النهي، ولا الثواب ولا العقاب، وفي ذلك دلالة على القطع على تعذيب العاصي؛ لأنه قطع