[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]
  وكلفهم ترك القبائح وجعله شاقاً عليهم، وقصد سبحانه وتعالى بذلك ليفعلوا الواجب لوجوبه، ويتركوا القبيح لقبحه، ويستحقون الثواب على فعل الشاق من الطاعة وترك المعصية؛ فهذا هو الأمر بين الأمرين، (لا جبر) فيبطل الأمر والنهي وما يتبعهما من الأحكام، (ولا تفويض) فيكون إغراءً بالانهماك في المعاصي والتظالم وترك الواجبات من غير باعث ولا زاجر.
[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]
  وأما قوله: «فبنى أهل السنة تفريع مقالتهم هذه على أصلٍ جملةُ الغرضِ منه أن لله تعالى علم غيب سبق بكل ما هو كائن قبل كونه، ثم خلق الإنسان فجعل له عقلاً يرشده واستطاعة يصح بها تكليفه، ثم طوى علمه السابق عن خلقه وأمرهم ونهاهم وأوجب عليهم الحجة من جهة الأمر والنهي الواقعين عليهم لا من جهة علمه السابق فيهم؛ فهم يتصرفون بين مطيع وعاص وكلهم لا يعدو علمه السابق فيه؛ فمن علم الله تعالى منه أنه يختار الطاعة فلا يجوز أن يختار المعصية، ومن علم الله منه أنه يختار المعصية فلا يجوز أن يتخير الطاعة، ولو جاز ذلك لم يكن علم الله تعالى موصوفاً بالكمال، ولكان كعلم المخلوق الذي يمكنه أن يقع الأمر كما علم، ويمكن أن يقع الأمر بخلاف ما علم، وليس في علم الله تعالى للأمور قبل وقوعها إجبار على ما توهم المجبرون، ولا يتم لأحد استطاعة على ما يهم به من الأمور إلا بأن يعينه الله تعالى عليه أو يكله إلى حوله ويسلمه إليه؛ فإن عصمه مما يهم به من المعصية كان فضلاً، وإن وكله إلى نفسه كان عدلاً».
  فالكلام عليه في ذلك:
  أن قوله: «فبنى أهل السنة تفريع مقالتهم هذه على أصل جملة الغرض منه أن لله تعالى علم غيب سبق لما هو كائن قبل كونه».
  فالجواب: أن هذا قول صحيح؛ لأنه سبحانه عالم لذاته لا يحتاج إلى معلم، ولا إلى علم يعلم به، بل هو الغني بذاته عن كل ذات فيعلم جميع المعلومات؛ إذ