كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[مباحث في علم الله وعقل الإنسان واستطاعته وقدرته والعصمة]

صفحة 125 - الجزء 2

  يستحيل من دونها، فليحط ما قال على النقض والإبطال.

  وأما قوله: «ثم طوى علمه السابق عن خلقه».

  فالجواب: أنه قول صحيح، وقد قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ٢٧}⁣[الجن].

  وأما قوله: «فأمرهم ونهاهم وأوجب عليهم الحجة من جهة الأمر والنهي الواقعين عليهم».

  فالجواب: أن الأمر والنهي إنما يتوجهان على من يفعل باختياره؛ فأما الملجأ والمجبور ومن فعل غيره فيه فلا يتوجه بذلك أمر ولا نهي، ولا يحسن شيء من ذلك؛ فإن كان عنده أن العبد يفعل الحسن والقبيح باختياره حَسُنَ الأمر والنهي، وإن كان الفاعل لذلك كله هو الله تعالى قَبُحَ الأمر والنهي؛ لما قدمنا ذلك مكرراً، وإن كان قد خلط في ذلك تخليطاً عظيماً؛ فتارة يضيف أفعال العباد إلى الله تعالى ويقول: من زعم أنها أفعالهم كان قد أثبت شريكاً لله تعالى وبطلت الوحدانية، وتارة يجعله بذلك مشاركاً للمجوس وغير ذلك، وتارة يذم من جعله فعلاً لله تعالى، وقال: بأن مقالة المجبرة بأن الإنسان مجبر على أفعاله ملجأ إليها مضطر إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلاً - تجوير للباري تعالى، وإبطال التكليف، وحسم لباب الثواب والعقاب، وتارة يقول: هذين الطرفين ذميم، وتارة يقول: إنه نظم مذهبه من الطرفين اللذين ذمهما، وتارة قال: إن مذهبه هو الوسط بين هذين المذهبين، مع أنه لا واسطة بينهما؛ لأن الواسطة بين النفي والإثبات لا تصح ... إلى غير ذلك مما تردد فيه من قوله في الاستطاعة وإثباتها مرة، ونفيها أخرى، وإيجابها مرة، وتصحيح الفعل بها مرة، وجعلها مرة شرطاً في التكليف، وجعلها أخرى مقارنة للفعل وموجبة له، وكذلك تخاليطه في المشيئة على نحو ما ذهب إليه في القدرة، وجميع ما ذكرنا من هذه الأمور لا يذهب إليه عاقل.