كتاب الشافي،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[افتراء الفقيه على أهل العدل بأن الله عندهم ليس عفو ولا غفور، وغير ذلك والرد عليه]

صفحة 138 - الجزء 2

  دائماً ولا يقدر بمقدار وقت فعل المعصية، كذلك العقاب.

  والجامع بينهما أن المثبت لهما واحد وهي المعصية، والمزيل لهما واحد وهو التوبة، ويستحقان على وجه وحد وهو الاستخفاف والإهانة؛ فما دل على دوام أحدهما وهو الذم دل على دوام الآخر الذي هو العقاب.

  وأما أدلة السمع: فأحدها: ما قدمنا من الإجماع في الكفار من أنهم يعاقبون على كفرهم دائماً، ولا يقع عنهم بعد ورود السمع عفو عما ينزل بهم بل يستحقون العقاب على سبيل الدوام؛ فكذلك الفساق ولا فرق بينهما؛ إذ كان الوجه الجامع بينهما أن العقاب المستحق عليهما لا يقدر بمقدار وقت المعصية، فمتى استحق كل واحد منهم بأزيد من مقدار وقت المعصية ولا حاصر وجب أن يستحق دائماً، ولما ذكرنا قبل هذا أنهما يستحقان بما يستحق به الذم، ولا شك أن الذم لا يستحق وقتاً واحداً بل أكثر من وقت المعصية ولا حاصر فيستحق دائماً.

  وأما إطلاقه لوجوب قبول توبة التائب.

  فالجواب عنه: أنه إن أراد أن الحكمة تقتضي وجوب قبول التوبة؛ فذلك ثابت بالعقل، وقد قدمنا مثاله بما لا ينكره إلا من كابر عقله.

  وإن أراد أنا نوجب على الله تعالى عن ذلك فهو في الحكاية جائر كاذب؛ لأن الإيجاب يتفرع على علو المنزلة؛ فإن كان هنالك دين ومعرفة ويقين عرف الفرق بين الأخبار بواجب الحكمة، وبين الإيجاب الذي هو الإلزام، والأول يوصف به القديم تعالى، والثاني يخص العباد.

  وأما قوله: «وكذا الصغيرة تقع مع اجتناب الكبيرة محبطة».

  فالجواب عن ذلك قد اندرج فيما تقدم، وأن العدل يقتضيه.

  وأما قوله: «لا يجوز لله أن يعذبه عليها».

  فالجواب: أن إطلاقه لفظة الجواز ونفيه يوهم الحظر والإباحة، وذلك لا يجوز وصف الحكيم تعالى به؛ لأنه سبحانه ليس بمأمور ولا منهي ولا مكلَّف