تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 217 - الجزء 1

سورة النحل

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} وكيف يكون إنزالهم بالروح وكيف يكون الروح أمرا. وجوابنا أن المراد به ذلك القرآن والشرع كما قال {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا} وسمّى القرآن روحا لأنه بمنزلة الرّوح الذي يحيا به أحدنا من حيث يحيا به الانسان في أمر دينه وأنه يؤدي إلى الحياة الدائمة فإن قيل فما معنى قوله {أَتى أَمْرُ اللَّهِ} وهل المراد به هذا الامر الذي تنزله الملائكة قيل له بل الأقرب في أتى أمر اللّه أنه الوعيد ولذلك قال بعده {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} لأنهم كانوا يستعجلون العذاب كقولهم {ائْتِنا بِما تَعِدُنا} وكما قال {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ} فبين أن أمر اللّه قد أتى بالوعيد في الآخرة واللّه تعالى حليم لا يعجل فلا تستعجلوه ثمّ قال تعالى {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} وعنى به الاحكام وسائر الشرائع التي بيّنها اللّه تعالى في القرآن وعلى لسان الرسول ولذلك قال بعده {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} ثمّ قال بعده {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وبيّن أنه خلق ذلك لكي يؤمن العباد وذلك يبطل قول من يقول خلق بعضهم ليكفروا وكيف يقول جل وعز {تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وهو الذي يخلق فيهم الشرك ويجعلهم بحيث لا يقدرون الا عليه.

[مسألة]

  وربما قيل كيف قال تعالى {وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ}