تنزيه القرآن عن المطاعن،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[مسألة]

صفحة 182 - الجزء 1

  في الكتاب المبين وفائدة كتابة ذلك في اللوح المحفوظ ان الملائكة تعتبر بذلك وتعرف قدرة اللّه تعالى وعلمه إذا وافق ما يحدث من الأمور ذلك المكتوب.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ما الفائدة في خلقهما في هذه الأيام وهو قادر على أن يخلقهما في لحظة واحدة. وجوابنا انه تعالى خلقهما في هذه المدة مصلحة للملائكة لكي يعتبروا بذلك كما أنه قادر على جمع كل رزق لنا في يوم واحد لكنه للمصلحة يفعله حالا بعد حال ولذلك قال بعده {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وبين تعالى بقوله ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت انكارهم للإعادة وبين بقوله {وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ} استعجالهم بما كان يخوف به الرسول وبين آخرا بقوله {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} ان ذلك مؤخر لأنه تعالى حليم لا يعجل العقوبة ويمهل توقعا للتوبة وبين تعالى طريقة الانسان المذمومة بقوله {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} فبين انهم عند الاحسان إليهم يفرحون فإذا نزع ذلك لمصلحة يوجد منهم كفر النعمة وإذا أجزل النعم عليهم يسلكون طريقة الفخر والفرح دون الانقطاع إلى اللّه وتعالى والتواضع له وذلك تأديب من اللّه تعالى فيما ينبغي أن يفعله المرء عند الغنى والفقر وفيما يكره منه ولذلك قال بعده {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} فاستثناهم من القوم.

[مسألة]

  وربما قيل في قوله تعالى {أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} ما الفائدة في هذا الابتداء ولا خبر له.

  وجوابنا ان الخبر قد يحذف إذا كان كالمعلوم والمراد أفمن كان بهذا الوصف كمن هو يكفر ولا يسلك طريقة العبادة وما توجبه البينة.