متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[سورة الفاتحة]

صفحة 42 - الجزء 1

  ويدل على قولنا من وجه آخر، وذلك لأن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} تخصيص له بأنا نعبده دون غيره، وذلك لا يصح إلا بأن يكون العبد مختارا لفعل على فعل، لأنه «قد تقع العبادة [على وجه الإلجاء]⁣(⁣١) وإنما ينصرف الفعل إلى أن يكون عبادة للّه ø، باختياره وبأمور تتعلق به، وفي ذلك إبطال القول بأن هذه الأفعال للّه ø يخلقها في العبد.

  ويمكن أن يستدل على نحو ذلك بأمره تعالى لنا أن نستفتح القرآن وغيره ، لأن ذلك هو استعانه به من حيث نستفتح بذكره الأمور التي نريدها ونعزم عليها، والاستعانة به في ذلك إنما تصح متى كنا المختارين للفعل، العادلين عن غيره إليه، ولذلك لا يصح أن نستعين بذكر اسمه على الأمور الضرورية التي يخلقها فينا.

  فإن قيل: فهل يدل الظاهر على ما سأله القوم؟

  قيل له: لا؛ لأن الاستعانة تقتضى التماس المعونة من قبله، ولا تدل على تفصيل المعونة، وما يفعله ø من الأمور المعينة على الطاعة أشياء كثيرة، فمن أين أن المراد به القدرة دون غيرها؟! نحو الصحة والخواطر والدواعي والتنبيه!

  وبعد، فإن المراد به لو كانت القدرة لكان إنما يدل على أنها تتجدد، ولا يدل على أنها مع الفعل، وهذا مذهب كثير من أهل العدل⁣(⁣٢)،


(١) عبارة الأصل: «قد تصح العبادة بالفعل كما يصح له» ولا تستقيم مع ما بعدها من التفريع، ولعلها كما أثبت أقرب إلى الصواب، وأقرب كذلك إلى ما يراه القاضي في موضوع القدرة والاختيار.

(٢) اختلف المعتزلة في القدرة: هل تبقى أم لا؟ على مقالتين: فقال أكثرهم إنها تبقى، وقال قائلون: «لا تبقى وقتين، وإنه يستحيل بقاؤها، وإن الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدمة المعدومة، ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز، بل يخلق اللّه في الوقت الثاني قدرة ...» وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وغيره من المعتزلة. انظر مقالات الإسلاميين:

١/ ٢٧٤ - ٢٧٥.