متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 44 - الجزء 1

  قد يكون الصلاح أن يفعله وقد يكون بخلافه، ولذلك قلنا في الدعاء: إن الواجب أن يفعله بشرط، فيدعوه بأمور الدين والدنيا، بشرط أن لا يكون فسادا وأن يكون داخلا في الصلاح. وقلنا إنه لا بد في هذا الشرط من أن يكون بالنية وإن لم يظهر، وقلنا في من لا يشترط ذلك: إنه جاهل بكيفية الدعاء.

  فإذا صح ذلك لم يكن في ظاهر قوله: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} دلالة على أن الهداية لم تتقدم، ولا دلالة على أنه تعالى يفعلها في المستأنف، لأنه لا يمتنع أن نتعبد بالانقطاع إليه تعالى في المسألة والطلب، وإن كان ما سألنا⁣(⁣١) لا يجوز أن يفعل. ومعلوم من حاله أنه يفعل أو لا يفعل.

  وعلى هذا الوجه قال تعالى: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}⁣(⁣٢) وقال حاكيا عن إبراهيم صلّى اللّه عليه: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}⁣(⁣٣) وقال: {وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ}⁣(⁣٤). وعلى هذا الحد نستغفر للأنبياء والصالحين ونطلب من اللّه ø الصلاة عليهم والرحمة، وإن كان كل ذلك معلوما أنه يفعله ø أو لا يفعله. فكيف يصح التعلق بما ذكرناه؟!

  وبعد، فإنما يدل ذلك على أنه ø يصح أن يفعل الهداية في المستقبل، ولا يدل على أن تلك الهداية ما هي؟ ولا يمتنع أن يكون تعالى قد دل على الدّين المستقيم، وتجدد الأدلة عليه حالا بعد حال، أو يجوز ذلك منه وإن كان لا يفعله.

  وقد بينا أن حسن المسألة لا يقتضى أن المطلوب يفعل لا محالة، لأنه قد يكون


(١) د: سأله.

(٢) قال تعالى: {قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} سورة الأنبياء: ١١٢.

(٣) سورة الشعراء: ٨٧.

(٤) من الآية ٢٨٦ في سورة البقرة.