متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 46 - الجزء 1

  ١٥ - مسألة: قالوا: وقد قال فيها: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}⁣[٧] فأراد دين الذين أنعمت بالإيمان⁣(⁣١) عليهم. ولو لم يكن الإيمان من فعله، لم يكن لهذا القول معنى.

  والجواب عن ذلك أن ظاهره إنما يدل على أنهم طلبوا أن يهديهم {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ولم يذكر بما ذا أنعم، فمن أين المراد به نفس الإيمان!؟

  فإن قال: لأنه لا شيء يختصّ به المؤمن من الكافر المغضوب «عليه والضال⁣(⁣٢) إلا نفس الإيمان، فيجب أن يحمل عليه!

  قيل له: ليس الأمر كذلك؛ لأنه قد يجوز أن يكون للمؤمن في المعلوم ألطاف يختص بها دون الكافر، ويؤمن عندها، وكذلك التنبيه والخواطر.

  وكل ذلك من نعمته تعالى، فكيف يقطع بأن المراد بذلك هو الإيمان!؟

  وبعد، فإن صح أنه المنعم بالإيمان عليهم لم يدل على أنه ليس بفعل لهم؛ لأنه تعالى قد ينعم علينا بما نفعله من الطاعة والإيمان إذا كنا إنما نناله بمعونته وألطافه وتيسيره وتسهيله، فيصير من حيث فعل هذه المقدمات التي لولاها لم يصح ولم نختر الإيمان ولا كان لنا إليه داع، كأنه قد فعل الإيمان فيضاف إلى أنه من نعمه، كما أن صلاح الولد يضاف إلى والده، وإن كان هو الذي تأدب وتعلم، لما فعل من المعونة والأحوال ما عنده أمكنه ذلك واختاره، وقد يهب أحدنا لغيره المال، فإذا صرفه في المأكول والملبوس فانتفع به كانت تلك المنافع


(١) ساقطة من د.

(٢) ف: عليهم والضالين.