الفصل الأول القاضي عبد الجبار
  هذا علم كل مجتهد فيه مصيب - المعتزلة من المصوّبة كما هو معلوم - وأنا في الحنفية، فكن أنت في أصحاب الشافعي، قال الحاكم: «فكان بلغ في الفقه مبلغا عظيما، وله اختيارات»(١) لكنه ما لبث أن وفر أيامه على الكلام دون الفقه، وكان يقول في ذلك: للفقه أقوام يقومون به طلبا لأسباب الدنيا، وعلم الكلام لا عرض فيه سوى اللّه تعالى(٢).
  قرأ الكلام مدة على أبي إسحاق بن عياش(٣)، ثم رحل إلى بغداد وأقام عند الشيخ أبى عبد اللّه مدة مديدة «حتى فاق الأقران وخرج فريد دهره» كما يقول الحاكم.
= الكرخي ولازمه الزمان الطويل. وقد جرت عادة القاضي على وصفه بالشيخ المرشد أبى عبد اللّه.
توفى | سنة سبع وستين وثلاثمائة. انظر شرح عيون المسائل: ١ / ورقة ١٢٥ - ١٢٦، وطبقات المعتزلة، ص: ١٠٥ - ١٠٧.
(١) شرح عيون المسائل - المصدر السالف - ١/ ١٢٩.
(٢) المصدر السابق، نفس الورقة، وانظر طبقات المعتزلة ص ١١٢ طبع بيروت.
(٣) هو إبراهيم بن عياش البصري، من رجال الطبقة العاشرة. قال القاضي: (وهو الذي درسنا عليه أولا، وهو من الورع والزهد والعلم على حظ عظيم. وكان مع لقائه لأبى هاشم استكثر من أبى علي بن خلاد. ثم من الشيخ أبى عبد اللّه، ثم انفرد) شرح العيون ١ / ورقة ١٢٦.
وبذلك يكون القاضي قد أخذ ممن قرأ على أبى هاشم الجبائي (ت ٣٢١)، والواقع أن نظرة واحدة في كتب القاضي - وبخاصة المغنى - توضح مدى عنايته الكبيرة بآراء أبى هاشم وآراء أبيه أبى على (ت ٣٠٣) وهو يقول عن كل منهما: شيخنا فلان: حيثما نقل عنهما أو استشهد بهما. وغالبا ما يفعل ذلك في كل صفحة من صفحات المغنى وسائر كتبه تقريبا. حتى ليعد أكبر أنصار المدرسة الجبائية وعمدها، فوق أنه لسانها وقلمها. وإذا كان الانتصار الأخير - أو الانتشار - كتب في المعتزلة لآراء أبى هاشم - كما يذكر مؤرخو الفرق - فإن الفضل في ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى القاضي عبد الجبار، الذي تبنى آراء أبى هاشم بخاصة، وآراء المدرسة الجبائية بعامة، ودافع عنها، وخلدها في إملاءاته الكثيرة.