ومن سورة النساء
  من فعل ذلك من أهل الصلاة يخلد في النار ما لم يتب.
  فإن قال: فليس فيه ذكر التوبة، فيجب أن يكون مخلدا في النار وإن تاب. قيل له: إن اشتراط التوبة معلوم بالعقل؛ لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب من بذل مجهوده في تلافى ما كان منه، كما لا يحسن ممن «أسئ إليه وقد(١) بذل المسئ مجهوده في الاعتذار على الوجه الصحيح أن يذمه. وما دل العقل(٢) على اشتراطه هو في حكم المتصل بالقول، وان كان تعالى قد بين كونه شرطا في مواضع.
  فإذا صح ذلك جعلناه مشروطا، وحملنا الكلام فيما عدا ذلك على ظاهره
  فإن قال: فإنه تعالى إنما توعّد من يعصى ويتعدّى(٣) الحدود، ومن هذا حاله، بأن تعدى جميع الحدود، لا يكون إلا كافرا، فلا يصح تعلقكم بالظاهر!
  قيل له: إن الظاهر «يقتضى أن من تلحقه سمة العاصي ويوصف بأنه قد تعدى الحدود يحلّه في النار. ومن تجاوز من حدود اللّه أقلّ الجمع يقع هذا الاسم عليه، ولا يجب بذلك أن يكون كافرا، فالتعلق بالظاهر(٤) صحيح.
  وبعد، فإن من لم يتمسك بكل حدود اللّه وخرم منها واحدا، يقال: قد تعدّى حدود اللّه، لأن تعدّيها هو ترك المحافظة بها. ولا فرق في ذلك بين واحدها والكثير منها. وهذا يوجب أنه إذا عصى معصية واحدة لحقه الوعيد.
  فإن قال: فيجب في صاحب الصغيرة أن يكون من أهل الوعيد، لأنه قد عصى وتعدى الحدود!
  قيل له: العقل قد دل على أنه لا يستحق العقوبة، ولا يجوز أن يتوعد تعالى بالعقاب من(٥) لا يستحق العقوبة.
(١) في د: أشار إليه فقد.
(٢) د: العقل الصحيح.
(٣) ف: ويتعدى في.
(٤) ساقطة من د.
(٥) د: ممن.