متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 180 - الجزء 1

  ١٤٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه قد يمنع من التوبة وقد لا يقبلها، فقال: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ...}⁣[١٨]

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره لا يدل إلا على أن التوبة ليست لمن يعمل السيئات وقد حضره الموت، وليس فيه بيان كيفيتها ولا الوجه الذي لأجله ليس له توبة.

  والمراد بذلك: أن من عمل السيئات وحضره الموت وصار عند المعاينة عارفا باللّه ضرورة وملجأ إلى أن لا يفعل المعصية، لم تكن له إذ ذاك التوبة، لأن من حق التوبة أن تسقط العقاب إذا كان التائب متمكنا من فعل أمثال ما تاب منه، ولو أن العاجز عن أفعال الجوارح اعتذر إلى من قتل ولده «من قتل ولده⁣(⁣١)، لم يجب قبول اعتذاره في العقل، لأنه قد خرج من أن يكون متمكنا من ذلك. ولهذا لا يقبل تعالى توبة أهل النار وإن ندموا على ما كان منهم لما كانوا ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح، مضطرين إلى معرفته تعالى، ولذلك سوّى تعالى بين أن يتوبوا في حال المعاينة وبين أن يموتوا على كفرهم، مبينا بذلك أن العقاب قد حق على الجميع.

  وهذا يدل على أنه تعالى قد مكن وأزاح العلة في التوبة، وأنه يقبلها لا محالة في أحوال السلامة، فهو بالضد مما ظنوه في باب الدلالة.


(١) ساقط من د.