متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 182 - الجزء 1

  الطاعة من العباد دون المعاصي؛ لأنه تعالى أضاف إرادة الميل الواقع من العاصي إلى غيره، وأضاف إرادة التوبة إليه، وامتن بأنه تعالى أراد التخفيف علينا. ولو كان قد أراد الكفر لم يصح هذا الامتنان.

  ومن وجه آخر، وهو أن من يريد اللّه منه التوبة في المستقبل لا بد من أن يكون عاصيا في الحال؛ لأنه تعالى لا يريد ممن لم يعص البتة أن يتوب؛ لأن التوبة هي الندم على ما كان منه، ولا يصح الندم على الطاعة والحسن، وإنما يصح أن يريد التوبة في المستقبل من الكافر والفاسق، فلو كان تعالى يريد أن تتجدد المعصية فيهم حالا بعد حال، لم يصح أن يصف نفسه بأنه يريد فيهم خاصة أن يتوب عليهم.

  ١٥٢ - دلالة: وقوله تعالى من بعد: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ٢٩ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}⁣[٢٩ - ٣٠] فدل تعالى على أن من يفعل أكل المال بالباطل وقتل النفس⁣(⁣١) يدخله النار لا محالة، وقد يوصف بذلك الفاسق من أهل الصلاة، كالكافر، فيجب حمل الآية على العموم، ومعقول من حال الكلام أنه يريد النهى عن أن يأكل بعضنا أموال بعض، لأن من ملك المال لا ينهى عن أكله، والوعيد وارد عليه على⁣(⁣٢) الحد الذي وقع النهى عنه، فليس لأحد أن يتعلق بذلك.

  فأما قتل النفس فالنهي يتناول فيه أن يقتل بعضنا بعضا و⁣(⁣٣) أن يقتل نفسه،


(١) ف: الناس.

(٢) ف: في.

(٣) ف: أو.