متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 211 - الجزء 1

  فأما في الوجه الذي قال، فلم يقع التشبيه، وإنما يفارق أحدهما الآخر⁣(⁣١) في هذا الباب؛ لأن ما سأله أهل الكتاب، يتعلق بالاختيار من إنزال الكتاب، وما سألوه يتعلق بصفات ذاته، فلا يجب أن يكون بمنزلته⁣(⁣٢).

  ١٧٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه يمنع الكافر من الإيمان فقال: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}⁣[١٥٥].

  والجواب عن ذلك: أنا قد بينا أن الطبع هو مثل الختم، وأنه علامة يعرف بها حال المطبوع على قلبه⁣(⁣٣)، وبينا الفائدة في ذلك، وأنه لطف للعباد إذا علموا أن الملائكة تعلم به من يستحق الذم فتذمه بذكر أحواله، وبينا أنه ليس يمنع، وأن العلامة كالكتابة والخبر في أنها لا تكون منعا، وأنه بمنزلة الختم على الكتاب في أنه لا يمنع من قراءته.

  وقوله تعالى في هذه الآية، {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} يدل على أنه ليس يمنع؛ لأنه كان يجب أن يمنع الكل على حد واحد، فلا يصح الإيمان من


(١) في د: الأخرى.

(٢) أوضح القاضي الرد على المخالف في هذا الوجه، فقال: «إن الوجه في تشبيه أحدهما بالآخر، ليس هو ما ظننته، وإنما أراد جل وعز أن مسألة أهل الكتاب ذلك للرسول صلى اللّه عليه؛ خطأ عظيم؛ كما أن مسألة قوم موسى # خطأ عظيم، منبها بذلك نبينا ~ أن مثل ما امتحن به قد لحق السلف من الأنبياء» ثم قال القاضي: «فإذا صح ذلك الكلام في أن أحد الأمرين وإن كان خطأ، يجوز وقوعه، لأنه يتعلق بالفعل الواقع باختياره والآخر يرجع إلى ما هو عليه في ذاته لا مدخل له في الكلام» انظر: المغنى الجزء الرابع (رؤية الباري) ص: ١٦٩، وانظره كذلك، ص: ١٩٦ و ١٩٧.

(٣) انظر الفقرة: ١٨.