[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ١٨٠ - دلالة: وقوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ...}[١٧٢] مما اعتمده شيوخنا رحمهم اللّه في أن الملائكة أفضل من عيسى؛ لأن الاستنكاف هو الأنفة، ولا يجوز في اللغة أن يقول الإنسان: إن فلانا لا يأنف من خدمتي ولا فلان، إلا والمذكور الثاني أفضل حالا(١) من الأول وأشهر فضلا منه(٢) في الوجه المقصود إليه.
  وهو تعالى إنما ذكر أعظم الأحوال في باب الفضل الواقع بالطاعات دون غيره من الأحوال.
  وقوله تعالى: {وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} مع أن قرب المكان يستحيل فيهم، يدل على أنه أراد فضلهم وعظم ما لهم في ذلك، فإذا صرح بذكره كان الأولى أن يحمل الكلام عليه، وإذا صح أنهم أفضل من عيسى فكذلك من سائر الأنبياء بالإجماع(٣).
(١) ساقطة من د.
(٢) ساقطة من ف.
(٣) اختلف في تفضيل الملائكة على الأنبياء، فقال جمهور الأشعرية بتفضيل الأنبياء على الملائكة، وأجاز بعضهم أن يكون في المؤمنين من هو أفضل من الملائكة، ولم يشر بذلك إلى واحد بعينه، كما يقول البغدادي. وذهب أكثر المعتزلة - كما ينقل البغدادي كذلك - إلى أن الملائكة أفضل من الأنبياء «حتى فضلوا زبانية النار على كل نبي»! «وزعم آخرون منهم أن من لا معصية له من الملائكة أفضل من الأنبياء» ويبدو أن هذا الزعم عندهم ليس بشيء؛ حتى نقل صاحب المقالات إجماعهم على أن لملائكة أفضل من الأنبياء. أما الإمامية فزعموا أن الأئمة أفضل من الملائكة. ولهذا كان لا بدلهم أن يقولوا بتفضيل الأنبياء على الملائكة، سواء أكان ذلك من باب أولى، أو من باب الاضطرار، وقد أجمعوا على ذلك كما يقول المرتضى، الذي مال في هذه المسألة إلى جانبه الشيعي، فتولى عرض حججه وحجج قومه، كما فند أدلة المعتزلة، ومنها الآية التي يستدل القاضي بها في هذه السورة.
انظر الأشعري: مقالات الاسلاميين؛ ١/ ٢٧٢. البغدادي: أصول الدين ص ٢٩٥ الفرق بين الفرق، ص: ٣٤٣. أمالي المرتضى: ٢/ ٣٣٣ - ٣٣٩.
وانظر في نقض كلام القاضي هنا، والرد عليه وعلى الزمخشري، من الناحية اللغوية والبلاغية ومن وجوه أخرى: فتح الباري لابن حجر: ١٣/ ٣٣٠ - ٣٣١.