متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة المائدة

صفحة 216 - الجزء 1

ومن سورة المائدة

  ١٨٢ - دلالة: قوله تعالى: {ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}⁣(⁣١) عقيب ما أوجبه اللّه من الطهور بالماء إن وجد، والتيمم بالتراب إن لم يوجد، يدل على أنه تعالى لا يريد تكليف ما لا يطاق، لأنه لفى أن يريد ما يضيق على المكلف فعله، وإن كان قد يمكنه «أن يفعل⁣(⁣٢) إذا التزم المشقة، فبأن لا يريد ما لا يطاق ويتعذر فعله على كل وجه أولى.

  ١٨٣ - وقوله تعالى من بعد: {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} يدل على⁣(⁣٣) أنه لا يريد الكفر والفساد، لأنه لو أراد أن يخلق الكفار للكفر وللنار، لم يكن مريدا للانعام عليهم ولا لتطهيرهم، لأن ما خلقهم له: نهاية الإضرار بهم والإساءة إليهم من حيث خلقهم للنار الدائمة.

  ١٨٤ - وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يدل على ما قلناه، لأن المراد به لكي تشكروا، ولو لم يكن في كتاب اللّه تعالى إلا ما كرره من هذه النظائر [لكفى في الدلالة على ذلك] لأنه تعالى يقول: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} و {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} و {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} و {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} و {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} إلى ما شاكله - مبينا بذلك أنه أراد منهم هذه الأحوال - وليس فيه: لعلكم تعصون وتظلمون. ولو كان تعالى قد أراد كلا الأمرين على وجه واحد، لكان من حق الكلام فيمن أريد منه الظلم أن يقال


(١) قوله تعالى: {... ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} من الآية: ٦، وانظر الآية بتمامها.

(٢) ساقط من ف.

(٣) ساقطة من د.