ومن سورة المائدة
  لعلكم تظلمون، كما أن من حقه ممن أريد منه الفلاح والتقوى أن يقال: لعلكم تتقون وتفلحون، وهذا ظاهر في بطلان مذهب القوم.
  ١٨٥ - مسألة: قالوا: وذكر تعالى فيها ما يدل على أنه يخلق الكفر في قلب الكافر، فقال: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ...}[١٣] ومعلوم من قوة قلوبهم أنه بالكفر، فإذا جعلها اللّه قاسية فقد خلق الكفر فيها.
  والجواب عن ذلك: أن ظاهر قسوة القلب في اللغة يراد به قلة الرحمة، ولذلك متى(١) رأوا من هذا حاله وصفوه بقسوة القلب، وإذا رأوا الرحيم الرقيق القلب، قالوا هو رقيق القلب، ولا يعرفون في هذا الباب ما يتصل بالكفر والإيمان، ولو أنهم رأوا المؤمن قليل الرحمة لوصفوه بقسوة القلب، ولو رأوا الكافر حسن الرفق كثير الرحمة، لنفوا عنه ذلك، فلا ظاهر للقوم يتعلقون به!
  والمراد بالآية: أنه تعالى لعنهم وحكم عليهم بأن قلوبهم قاسية لشدة تمسكهم بالكفر، وهذا كما يقول أحدنا لمن ينسب غيره إلى الفسق والكفر: جعلته كافرا وفاسقا، سيما إن كان قوله فيه مؤثرا.
  وقد يحتمل «أن يراد(٢) بذلك أنه تعالى لما(٣) أضلهم عن الزيادات من الهدى الذي يخص بها من قد اهتدى وآمن، وسلبه الخواطر والألطاف، لعلمه بأنه لا يؤمن عندهما؛ جعله قاسى القلب لشدة تمسكه بالكفر الذي هو عليه.
  ثم يقال للقوم: إنه تعالى بين أنه لعنهم وجعل قلوبهم قاسية على سبيل
(١) ف: إذا.
(٢) ساقطة من ف.
(٣) ساقطة من د.