متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 221 - الجزء 1

  والجواب عن ذلك: أن قوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} ظاهره يقتضى أنه يريد أن ينزل به عقابهما جميعا، أو تقع منه معصيتهما! وذلك يتناقض! لأن ما يكون عقابا بالواحد لا يصح أن ينزل بالآخر.

  وإنما الذي يصح «في ذلك⁣(⁣١) أن يفعل بالآخر أمثال ذلك العقاب؛ لأن من حق العقاب أن يوصف به الواقع على طريق الاستحقاق، فلا ظاهر للقوم يتعلقون به.

  والمراد⁣(⁣٢) بذلك أنه تعالى ذكر قبل هذه الآية أن ابني آدم قرّبا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر⁣(⁣٣) فدل بذلك على أنه لم يتقبل منه لمعصية وقعت منه، وأنه حسد أخاه الذي قبل قربانه فهمّ بقتله، فعند ذلك قال: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك، بمعنى: بإثم قتلك لي، فلما كان القتل متعلقا به جعل الإثم مضافا إليه.

  وأراد بقوله: {وَإِثْمِكَ} يعنى: إثم المعصية التي أقدمت عليها، ورد قربانك لأجلها، وهذا كما يقول القائل فيمن ظلمه: أريد أن تلعن وتعاقب على ظلمي، فمن حيث كان ذلك الظلم متعلقا به، أضافه إلى نفسه.

  ولم يرد بالإثم في هذا المكان: المعصية، فيكون هابيل مريدا للمعصية من أخيه قابيل، بل أراد به المستحق على المعصبة. ولذلك قال بعده: {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ}⁣(⁣٤) فبين أنه يريد أن ينزل به كلا⁣(⁣٥) العقوبتين فيدخل النار ويحلان به⁣(⁣٦)، وأن ذلك هو الذي يستحقه الظالم القاتل للنفس المحرمة.


(١) ساقط من ف.

(٢) ساقطة من د.

(٣) الآية السابقة - ٢٧ - قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

(٤) تتمة الآية.

(٥) كذا في النسختين والصواب (كلتا).

(٦) كذا في النسختين؛ ولعل الصواب: ويحل به الإثم.