متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 233 - الجزء 1

  الشيء إلى سببه وإلى ما عنده حصل، فيقولون: فلان أبخل فلانا بمسألته، إذا ظهر عنده بخله. وإنه أتعبه، إذا سأله حاجة فتعب عندها.

  ثم يقال للقوم: إنه تعالى قد وصف إنزاله إلى رسوله بأنه هدى وشفاء ونور ورحمة، فكيف يصح أن يكون موجبا لزيادة الكفر؟

  وإنما يدل ذلك على ما قلناه، وإلا تناقض كلامه، تعالى عن ذلك!

  ١٩٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يمنع من المعاصي، فقال: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}⁣(⁣١) {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ...}⁣[٦٧]

  والجواب عن ذلك: أن الغرض بذلك أنه يمنعك من الناس ويمنعهم منك حتى تستكمل الإبلاغ والأداء، ولم يرد أنه يمنعهم من ظلمه أو ما يجرى هذا المجرى؛ لأنه قد علم أنهم قد قدموا عليه، غير دفعه بوجوه من المضار، وأنه كان يخاف على نفسه منهم، فيهرب ويستتر ويتعمد الحيل في دفع المكاره.

  «والمراد به ما قلناه⁣(⁣٢) من أنه يمنع من يؤتى عليه فيفوت الإبلاغ والأداء. وليس في ظاهره أنه يمنع أحدا مما أمر به أو نهى عنه؛ لأن منعه من الناس بالعصمة لا يقتضى رفع ذلك فيه أو فيهم، كما أن أحدنا إذا امتنع بالحواجز عن غيره لا يكون في ذلك رفع الأمر والنهى والتمكن منهما!


(١) كذا في النسختين؛ على الجمع. وهي قراءة أهل المدينة. وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة: [رسالته]. على التوحيد. قال النحاس: والقراءتان حسنتان، والجمع أبين؛ لأن رسول اللّه كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ثم يبينه. والإفراد يدل على الكثرة. فهي كالمصدر. والمصدر في أكثر الكلام لا يجمع ولا يثنى لدلالته على نوعه بلفظه. انظر القرطبي: ٦/ ٢٤٤.

(٢) في د: والمراد بما قلناه. وفي ف: والمراد ما قلناه.