[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ٢٠٠ - دلالة: وقوله تعالى بعد ذكر اليمين والكفارة: {وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ}(١) يدل على أن الإنسان قادر على أن يبر ويحنث؛ لأن حفظ اليمين يقتضى أن اليمين قد وجد، ومتى وجد لا يقع حفظها إلا بالوجه الذي قلناه، وهو مجانبة الحنث «وتعمد البر(٢)، وهذا لا يصح إلا وهو قادر على الأمرين متمكن منهما، ولو كان تعالى يخلق فيه الحنث على وجه لا يمكنه أن ينفك عنه، وإن اجتهد في محافظة اليمين، لم تكن للمحافظة معنى على وجه!
  ٢٠١ - دلالة أخرى: وقوله تعالى: {ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}(٣) يدل على أنه تعالى لم يجعل السائبة بهذه الصفة على ما كانوا يعملون؛ لأنهم لم يكذّبوا في إضافة نفس السائبة إلى أن اللّه جعلها، وإنما كذبهم في زعمهم أنه جعلها كذلك، فإذا نفى تعالى أن يكون جعلها كذلك بهذه الصفة، فقد دل على أن أفعال العباد مضافة إليهم، ولو كان هو الخالق فيهم تسييب السائبة وامتناعهم من أكل لحمها وركوبها وجز وبرها، لم يجز أن ينفى عن نفسه ذلك، لأن ما به صارت كذلك هو من قبله ومن فعله.
  فإن قالوا: إنما نفى عن نفسه التعبد بذلك والأمر به!
  قيل له: إن الأمر بذلك غيره «والبغى عليه دخل(٤)، فمتى صرف إلى التعبد والأمر، فهو عدول عن الظاهر من الوجه الذي استدللنا عليه.
(١) من الآية: ٨٩. وانظر الآية بتمامها.
(٢) ف: والتعمد البر فيها.
(٣) الآية ١٠٣. وتتمّتها: {أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}
(٤) د: والنهي عنه دليل.