[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  حال من يشاهده، وعلى هذا الوجه يجرى القول في أوصاف اللّه تعالى بأنه بكل مكان، واستجاز المسلمون إطلاقه، لأنهم عنوا به في الصنع والتدبير، أو في الإحاطة به علما.
  ويبين ما قلناه أن قوله تعالى: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} لا يليق إلا بما ذكرناه، لأنه إذا كان في كل مكان لم يجب أن يكون عالما بسرنا وجهرنا، لأن الحاضر معنا «لا يجب أن يكون مطلعا(١) على أسرارنا، فكيف من هو في غير المكان الذي نحن فيه؟
  ومتى ذكر تعالى المكان ثم عقبه بذكر العلم وغيره، فيجب صرف الكلام إلى ذلك الوجه، ولهذا قلنا إن قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ}(٢): المراد به الاقتدار منه على المكانين، والتنبيه بذكرهما على أنه مقتدر على كل شيء، وكذلك لما عقب الكلام بذكر العلم دل على أن المراد «بما تقدم ذكره أنه محيط(٣) بما فيهما علما.
  ٢٠٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده فيها ما يدل على أن المكان يجوز عليه، فقال: {وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ}[١٨] و «فوق» إنما تستعمل في اللغة بمعنى المكان إذا علا على مكان غيره.
  والجواب عن ذلك: أنه تعالى قد نبه في الكلام على ما أراد، بقوله:
(١) د: لا يجوز أن يطلع.
(٢) من الآية: ٨٤ في سورة الزخرف. وتتمتها: {... وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}
(٣) ف: ما تقدم من ذكره أنه يحيط.