متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 239 - الجزء 1

  الدنيا في التمكن وزوال الإلجاء، لعاد حالهم إلى حال التكليف، وقد علمناه زائلا عنهم⁣(⁣١).

  فإذا صح ذلك وجب صرف الآية - لو كان ظاهرها ما قالوه - إلى خلاف ما حملوه عليه، بأن يقال: إنما أراد بقوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ} في دار الدنيا بإخبارهم عنها أنهم مصيبون وأنهم غير مشركين، فأرادوا بقولهم: {ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} أنا لم نكن عند أنفسنا وفي ظننا واعتقادنا، فكيف والظاهر لا يدل إلا على أنهم كذبوا على أنفسهم، من غير ذكر وقت! فمن أين أنهم كذبوا في الآخرة دون الدنيا؟

  ولو صرف ظاهره إلى الدنيا لكان أقرب؛ لأن الفعل ماض غير مستقبل ومضى الفعل من غير توقيت لا يخصص زمانا دون زمان.

  وقوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ}⁣(⁣٢) يدل على ذلك⁣(⁣٣)؛ لأنه


(١) أوضح الشريف المرتضى وجه الاعتراض على المعتزلة في - الآية. فقال على لسان السائل:

(كيف يقع من أهل الآخرة نفى الشرك عن أنفسهم. والقسم باللّه تعالى عليه. وهم كاذبون في ذلك. مع أنهم عندكم في تلك الحال لا يقع منهم شيء من القبيح لمعرفتهم باللّه تعالى ضرورة.

ولأنهم ملجئون هناك إلى ترك جميع القبائح ...) الأمالي ٢/ ٢٧٢.

(٢) تتمة الآية: ٢٤ السابقة.

(٣) الآية التي تتقدم هاتين الآيتين. وهي قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} تدل على خلاف تأويل المؤلف |. لأن ما ذهب عن المشركين يوم القيامة هو ما أشركوا به من الأنداد والأصنام فإنهم حين سئلوا عنها: {أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} زعموا أنهم لم يكونوا من المشركين: فقالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} فأنبأ اللّه تعالى نبيه # بكذبهم وأن أصنامهم قد ضلت عنهم بعد أن افتروا بها على اللّه في الدنيا: {... انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ}.

انظر الطبري: ٧/ ١٦٥ - ١٦٩. وإن كان لا يمتنع عند المرتضى أن تكون - الآية تتناول ما يجرى في الآخرة. ثم تتلوها آية تتناول ما يجرى في الدنيا «لأن مطابقة كل آية لما =